حفصة بوطاهر

تعد التربية البدنية والرياضة مجالا خصبا للتربية المتوازنة ومظهر مهم من مظاهر التربية العامة، لكونها تساهم في التواصل الايجابي للتلميذات والتلاميذ وانفتاح شخصياتهم ثقافيا وفكريا، وتعزيز قيم التعاون والمنافسة والاحترام، وخلق مواطن صالح متزن بدنيا وعقليا واجتماعيا ونفسيا، ولتحقيق الانجازات الرياضية وطنيا ودوليا.

التقرير العام للنموذج التنموي، الذي أصدرته اللجنة المكلفة بإعداده، يوم الثلاثاء، 25 ماي 2021، أكد أن الممارسة الرياضية ما زالت ضعيفة في المغرب، بل وقد تراجعت على مستوى المنظومة الدراسية، وأن الولوج إلى وسائل التنشئة الاجتماعية وازدهار الشخصية عبر الثقافة والرياضة ما يزال صعبا..

– فهل أدرك المغرب مدى أهمية هذه المادة في المنظومة التعليمية؟

لتجاوز هذه الوضعية غير المتماشية مع الحاجيات الشبابية، سيما أن فئة الشباب تمثل النسبة الأكبر في الهرم السكاني، وعليها المعول، أساسا، في دفع المغرب نحو مستقبل أفضل، أكد التقرير الحاجة إلى وضع برنامج وطني مندمج للشباب يتم تدبيره على المستوى الترابي، على أن يغطي مجموع المطالب التي عبر عنها الشباب من ثقافة وفنون ورياضة وترفيه وإدماج سوسيو اقتصادي ومشاركة مواطنة ومساندة اجتماعية.
إذ اقترح، “وضع برنامج وطني مندمج للشباب، يتم تدبيره على المستوى الترابي من طرف هيئات مهنية عبر عقود ترتكز على حسن الأداء”؛

“ويجب أن يغطي هذا البرنامج مجموع المطالب التي عبرعنها الشباب، مـن ثقافة وفنون ورياضة وترفيه وإدماج سوسيو- اقتصادي ومشاركة مواطنة ومساندة اجتماعية”؛

وفي نفس السياق صرح ذ الحسين العطشان المكلف بمكتب الارتقاء بالرياضة المدرسية بمديرية الحوز، استاذ التربية البدنية،
” أن أصحاب القرار سابقا لم يعطوا للتربية البدنية ما تستحقه كمادة مؤثرة جدا، صحيا بدنيا ونفسيا، تعلم التلاميذ والتلميذات التوازن والتناسق الحركي، كما تشكل عاملا من عوامل المساعدة على تخطي الأزمات، فعن طريقها يحدث التنفيس عن الرغبات المكبوتة وتسرب الطاقة الزائدة وتفك المشاكل والعقد الناجمة عن الإحباط وعدم الأمان والعدوانية، فمثلا الأنشطة المدرسية سواء فردية أو جماعية، تمنح التلاميذ الثقة بالنفس وقيمة الذات، وتكوين العلاقات مع المحيط المدرسي والتفاعل الاجتماعي، و تمنح فرصة التحكم في الانفعالات وتوازنها في تحقيق الشعور بالقبول والانتماء، وتوطيد العلاقات الاجتماعية خصوصا عند التلاميذ المراهقين. ”

وقال “فدمج الرياضة بالتعليم بالمسمى الجديد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، هو قرار حكيم إذا توفرت الظروف الملائمة لتنزيله إنزالا صحيحا ، لأن الرياضة المدرسية هي المشتل الحقيقي وهي التي تضم أكبر قاعدة لتفريخ المواهب التي من الممكن أن تسلك دروب النجومية والتألق في الرياضة المدنية وطنيا ودوليا.”

مضيفا ” القانون الإطار51- 17 أكد كثيرا على التربية البدنية و الرياضة في مشروعه رقم 11 خلال عدة دعامات أساسية من بينها “رياضة ودراسة” كسلك من المسالك الدراسية التي تعتبر طريق للتوفيق ما بين الدراسة والرياضة للرياضيين الموهوبين المتمدرسين، بحيث يتم تكييف الزمن الدراسي لهؤلاء الموهوبين بتواصل مع الجامعات والعصب والأندية ليتمكنوا من إكمال مسارهم الدراسي.”
وأشار الأستاذ في حديثه إلى اهتمام الدول المتقدمة بالتربية الرياضة ،”نجد الدول الأجنبية كفرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا وغيرها تعتمد على الرياضة المدرسية كمجال أساسي لبداية الرياضيين المحترفين بمرورهم عبر بطولة المستوى الإعدادي والثانوي والبطولة الجامعية، هنا نستحضر لاعبي “م ب أ” بأمريكا لكرة السلة. كما تقوم هذه الدول مساعدة الرياضيين المحترفين في مسارهم التعليمي بحصولهم على منح دراسية ودعمهم على جميع المستويات ويسمى هذا المسار ب “رياضة ودراسة”.

وختم الأستاذ “الحسين العطشان ” كلامه قائلا ” لتحقيق نتائج جيدة في ما يخص البرامج والمقترحات التي جاء بها النموذج التنموي الجديد وتنزيل هذه الإستراتيجية نحتاج إلى موارد بشرية مؤهلة ومتواجدة لغلق هذه ألثغره، ناهيك عن الجانب المادي واللوجيستيكي.”

-“رياضة ودراسة”

جاء في التقرير أيضا: “ويمكن تجسيد هذا البرنامج داخل فضاءات سوسيو-ثقافية ورياضية موجهة للشباب ومتوفرة بالقرب منهم، مع الاستفادة من التجهيزات الحالية والحرص على ضمان الولوج إليها.
هذا المشروع الملكي أعطى للثقافة والرياضة عناية خاصة، عالية مستوى، من خلال إطلاق العديد من التجهيزات وتنظيم تظاهرات وفعاليات وطنية ودولية. وذلك لتجاوز هذه الوضعية غير المتماشية مع متطلبات الشباب، والتي هي الفئة الأكبر في الهرم السكاني بالمغرب.

ولتفعيل هـذا البرنامج من خلال مقاربة مبتكرة، تم تخصيص المشروع 11 للرياضة المدرسية وهو مشروع إحداث مسارات “رياضة ودراسة” وتوفير المراكز الرياضية، ويهدف الى إدماج الرياضة في صلب النموذج التربوي وتمكين المتعلمات والمتعلمين من ذوي المواهب الرياضية من استكمال مسارهم الدراسي موازاة مع المسار الرياضي.
لتصبح التربية البدنية والرياضة حسب ما جاء به النموذج التنموي الجديد “مغرب الغد”، تحظى بنفس القيمة والاهتمام الممنوحين للمواد الدراسية الأخرى، وتحدد حصص تدريسها بكامل العناية على أساس تخصيص جزء منها للدروس النظرية التي تمكن التلميذ من اكتساب المفاهيم الأساسية المرتبطة بالمجالات المعرفية لهذا الميدان؛

– أهداف، برامج وأنشطة

وسعيا لتحقيق هذه الغايات بكيفية شاملة وممنهجة بأسلاك التربية والتكوين كافة، يعاد النظر في وضعية هذه المادة وفي برامجها وطرق تدريسها ونوعية أنشطتها حسب ما جاءت به وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وذلك على الشكل التالي:
تحديد أهداف التربية البدنية والرياضية وتصاغ برامجها ومناهجها بكيفية تراعي التدرج المطابق لسن المتعلم، ولنموه الجسمي والنفسي والعقلي، وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الجهوية والثقافية والاجتماعية والبيئية والمناخية.
وتتمحور هذه الأهداف حول اكتساب المهارات وتنمية القدرات الإدراكية والحركية الأساسية، والمعارف المتعلقة بمجالات الصحة ونوعية الحياة والبيئة، وكذا المواقف والسلوكات المرتبطة بأخلاقيات الرياضة، والتنافس الشريف، والقدرة على الاستقلالية وتحــمل المسؤولية؛
يعتمد في طرق تدريس التربية البدنية وتحديد أنشطتها على الألعاب العتيقة وأنشطة التعبير الجسماني، وألعاب جماعية، وأنشطة بالهواء الطلق؛ يولي المدرسون المكلفون بتأطير التربية البدنية والرياضة المدرسية عناية خاصة لاكتشاف التلاميذ ذوي المؤهلات المتميزة وتوجيههم وتشجيعهم على الرقي في مدارج البطولة الرياضية.

– مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية

كما تم تحديث مديرية للارتقاء بالرياضة المدرسية و تنظيم المنافسات الرياضية المدرسية
وذلك بالارتقاء بالأنشطة الرياضية في الوسط المدرسي العمومي و الخصوصي و تنظيمها؛ تمثيل الوزارة لدى الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية؛ إعداد بنك للمعلومات خاص بالرياضيين المدرسيين و تتبعه؛ ربط علاقات التعاون مع مختلف التنظيمات الرياضية الوطنية و الدولية وخاصة اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية و الجامعات الملكية المغربية للرياضة بتنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية؛ ضمان التكوين المستمر لمؤطري الرياضيين المدرسيين .
هذه المديرية تتكون من قسم الارتقاء بالرياضة المدرسية، و يضم كل من مصلحة تتبع النخبة الرياضية المدرسية؛ مصلحة التوثيق الرياضي. وقسم تنظيم المنافسات الرياضية المدرسية، و يضم : مصلحة العلاقات مع التنظيمات الرياضية الوطنية و الدولية ؛ مصلحة تتبع الأنشطة الرياضية المدرسية

الرياضة المدرسية رافعة أساسية لتحسين جودة التعليم

في إطار تفعيل البرنامج السنوي للجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية وانزال هذه المشاريع على أرض الواقع، نظم الفرع الإقليمي للجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، بتنسيق مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة للجديدة، يوم 02 دجنبر 2021، البطولة الإقليمية للعدو الريفي المدرسي، بالمدينة.
وعرفت هذه التظاهرة الرياضية التربوية مشاركة 1415 تلميذة وتلميذا، من 96 مؤسسة تربوية بإقليم الجديدة، من أسلاك التعليم الابتدائي والإعدادي، وتابع هذا النشاط ، المدير الإقليمي للوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين، والفعاليات التربوية بالجهة ،أساتذة الرياضة البدنية، وأطر التدريس والتلميذات والتلاميذ.

– انجازات رياضية باهرة خلال الستينات من القرن الماضي

تعليقا على أهمية الرياضة في المنظومة التعليمية صرح؛ غالي مراد دكتور في السياسات العمومية “للمغرب 35” – ان إدماج الرياضة ضمن مجال اختصاص وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة خطوة مهمة تأتي في إطار تنزيل المقولة الشهيرة “العقل السليم في الجسم السليم”، والوعي المفترض بأن تلازم الرياضة والتعليم يعد أحد المداخل الرئيسية لدعم الصحة الجسدية والنفسية والعقلية لدى أبناء المغاربة كما هو معمول به في ظل التجارب المقارنة بعدد من الدول المتقدمة كأمريكا والصين والدول الإسكندنافية…-
وعاد بنا الدكتور “غالي” إلى سنوات مضت ليذكرنا بالإنجازات الباهرة التي حققتها الرياضة المدرسية، خصوصا في زمن الستينات والتمانينات من القرن الماضي، عبر أسماء بصمت أسمائها في تاريخ الذاكرة الرياضية الوطنية، كنوال المتوكل، صلاح حسو، إبراهيم بولامي، زهرة وعزيز، وغيرهم من الأبطال الذين كانوا ثمرة الألعاب المدرسية والتي خطوا فيها أولى خطوات النجاح.
ولكن وعلى الرغم من المشروع المأمول الذي تحمله خطوة ضم الرياضة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والمراهنة على التلازم القائم ما بين الصحة الجسدية والعقلية يبقى السؤال الأكبر هل ستستطيع هذه الرؤية تحقيق أهدافها في ظل الخصاص الحاصل في البنيات التحتية المدرسية وقلة الموارد المالية والبشرية واللوجستيكية القادرة على دعم هذه الرؤية؟ وهلا فعلا سيتم التفكير في بناء أسس تدبير مشترك وفق منطق تفاعلي مندمج يحقق الإلتقائية المرجوة لتنزيل هذه الرؤية وإرساء دعائم سياسة رياضية قادرة على إعادة إنجاب أبطال جدد يعيدون أمجاد سنوات الستينات والتمانينات؟

أسئلة كبرى تحتاج إلى بناء إستراتيجية عمل مبنية على محددات ومؤشرات واقعية مرهونة بتشخيص دقيق للأعطاب ودعم أكيد للمواهب وفق منطق الجدارة والاستحقاق لأن هذا المشروع يحتاج اليوم إلى إعادة النظر في أساليب تدبير القطاع الرياضي وضمنه الرياضة المدرسية كأحد مرتكزات المشروع التنموي الجديد.