*محمود من لا يخاف*
لحوالي نصف قرن من الزمن، لا تزال الجزائر الداعم الرئيسي للبوليساريو في نزاع الصحراء، في موقف دفع الكثير من المهتمين بتطورات النزاع الإقليمي حول الصحراء وتأثيره المباشر على توتر العلاقات المغربية الجزائرية، الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، حينما اندلعت حرب مغاربية في ستينيات القرن الماضي، من أجل ترسيم الحدود بين البلدين، إلى طرح أسئلة عديدة:

ما هي المصالح الجزائرية في منطقة الصحراء ؟!
إلى أي مدى يمكن أن تذهب الجزائر في دعمها للبوليساريو ؟!
وهل يمكن ان تخاطر بالحرب مع المغرب في سبيل تحقيق مطالب البوليساريو في الانفصال عن المغرب ؟!

لكن يبقى السؤال الأهم، الذي يشغل بال الكثيرين، والذي سنحاول الإجابة عليه في هذا الموضوع، وهو: لماذا لا تزال الجزائر متشبثة بدعمها اللا محدود للبوليساريو ؟؟

لكي نجيب على هذه التساؤلات، ولفهم القضية بعمق ونحلل أبعادها السياسية، هناك نظرية مشهورة في علوم السياسة الدولية للباحث الأمريكي “جون برشايمر” أستاذ العلاقات الدولية في جامعة شيكاغو، تناولها في كتابه The Tragedy of grenat power politics، يتحدث فيها عن مأساة سياسة القوى العظمى، فالدول تسعى دوما للسيطرة على دول أخرى وإضعاف الدول التي تعتبرها منافسة لها في صراع الزعامة، كما هو الشأن بالنسبة للجارة الشرقية، التي يرغب “جنرالاتها” في فرض هيمنتهم على شمال إفريقيا والمغرب العربي، والسبيل لتحقيق ذلك، هو إضعاف المغرب عبر دعم البوليساريو في النزاع الإقليمي بالصحراء، ولو تطلب ذلك تسخير كافة موارد الدولة وسياساتها الخارجية، في دعم قضية بحماس كبير جدا أكبر من حماس الصحراويين أنفسهم الذين ضاقوا الأمرين من الشتات واللجوء لأزيد من نصف قرن.

نعم، تلك هي الحقيقة، فالجزائر هي الدولة الوحيدة بالعالم التي توفر للبوليساريو، الغطاء الدبلوماسي والسياسي والمالي وطبعا الدعم العسكري لا يخفى على أحد منذ منتصف السبعينات إلى الأن. ولكي، لا يقول أحد، أن دعم القضية الصحراوية، هو يتماشى مع مبدأ متجذر في السياسة الخارجية الجزائرية، وهو “حق الشعب في تقرير المصير”. فلماذا انتفض النظام الجزائري ضد المغرب وقام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، ضدا على تصريحات سفير المغرب بالأمم المتحدة، الذي دعى دول عدم الانحياز خلال اجتماع عقد شهر يوليوز الماضي. لدعم حق شعب القبائل في تقرير مصيرهم. أليس المبدأ واحد والحق واحد ولو اختلفت الشعوب، وبالأحرى فتلك قضية شعب جزائري.

نعم، يمكن أن يأتي البعض من أبناء عمومتنا، ممن أخذتهم الحمية في نصرة قضية يجهل عنها الكثير، ويقول لي، الجزائر تدعم “قدسية السيادة للشعب الصحراوي على أرضه”، فيكون جوابي ببساطة، فلماذا تقدمت الجزائر، بمقترح رفضه طرفي النزاع، يتمثل في تقسيم الصحراء بين المغرب (إقليم الساقية الحمراء) والبوليساريو (إقليم وادي الذهب)، أليس هذا مساسا بالقدسية المزعومة. ألم يكن الأحرى بهم، بدل تقسيم أرض الصحراء، أن يدفعوا في اتجاه حل سلمي يجمع شمل الصحراويين ويجنبهم شرور الحرب التي أزهقت الأرواح، ويضمن لهم العيش الكريم في وطن أمن يسيرونه بأنفسهم.

لكن، لكل غايته، وغاية الجزائر هي “الصحراء الأطلسية”، وهذا ما سيكون موضوعنا القادم ان شاء، في الجزء الثاني من “النزاع الإقليمي حول الصحراء ..”