أؤكد أن أغلبية الأطباء في بلادي لا زالت مسكونة بالأخلاق  و تراعي وضعية المواطنة  و المواطن.  و أؤكد كذلك أن أقلية من الأطباء تسكنها روح شريرة تستهدف جيب المواطن  و تسعى إلى جعل مهنة الطب النبيلة سوقا للاغتناء السريع.  لن أتكلم كثيرا عن تجارة الطب التي تمارسها بعض المستشفيات الخاصة بدون استحياء.  هذه المستشفيات أغلبها في  ملكية عدد صغير ممن خانوا القسم الذي ادوه بعد التخرج من كليات الطب.  و خانه معهم أطباء يتسللون خفية إلى بعض المصحات الخاصة لإجراء عمليات جراحية  و أخذ اجرتهم نقدا  دون امضاء على فاتورة أو إقرار بتوصل بدخل خاضع للضريبة.

نعم أصبح مجال الطب مربحا بالنسبة للبعض و مجالا للربح الحلال بالنسبة لفئة  من الأطباء الاكفاء. حين أتكلم عن هذا الموضوع لا اتجرأ على الشرفاء  و من اختاروا النزاهة منهاج حياة. شاءت ظروف قبل سنوات أن أتعرض لوعكة صحية في  إحدى صحاري المغرب الصحية.  و هنا لا أتكلم عن الأقاليم الصحراوية  و لكن عن شمال المغرب حيث لم يكن إقليم ،اصبح  اليوم مهما ، يتوفر على أدنى تجهيزات الفحص الطبي.  فبعد معاناة  وصعوبات  و اخطار تحولت إلى أقرب مصحة مختصة بطنجة.  كانت مجهزة  و مؤطرة بشكل جيد.

و لكن الأمر تعقد بعد الوصول إلى غرفة العمليات لأن سيارة الإسعاف كانت أكثر سرعة من سيارة الأسرة.  و أنتظر الطاقم الطبي الوصول المتأخر للأسرة قبل أن يبدأ في عملية جراحية.  و كان لهذا الإنتظار أثر كبير على مدة الاستشفاء  و عبور مرحلة الإنعاش .  المهم هو أنني وقعت على شيك بمبلغ لم يكن بحسابي.  و كنت على إستعداد لمواجهة ” فعل جنحي ” موجب للسجن رغم أنني كنت آنذاك موظفا  و مرتبا  في السلاليم العليا   و منخرطا في التأمين الإجباري عن المرض.

غداة العملية إتصلت بمسؤولي صندوق مسؤول عن التأمين الإجباري عن المرض الذين أكدوا لي أن المصحة التي استقبلتني بكثير من المهنية وقعت منذ ثلاث سنوات على اتفاقية مع هذا الصندوق.  بعد هذا الإتصال تم إرجاع الشيك الذي وقعته دون رصيد إلى زوجتي  و طلب مني أن أضع تسبيقا نقديا بقيمة  10 آلاف درهم. أعترف اني انتمي إلى فئة المحظوظين الذين لهم أصدقاء يدافعون عنهم.  و لكني لست من ذوي الأرصدة المالية التي تفتح أبواب الاستشفاء المكلف جدا.  إنها تجربة يتعرض الآلاف من ذوي التأمين الإجباري عن المرض.  و لكن جلهم يضطر إلى الاقتراض  أو بيع ما يملك لمواجهة الفرق بين سعر التغطية الصحية  و السعر المطبق في المصحات الخاصة  و التي توفر أكثر من 85% من العرض الصحي ببلادنا.

اضطر للكلام عن هذا الموضوع لأكرر الإشادة بطبيبات  و أطباء يحملون هموم المواطنين في قلوبهم  و يترجمونها إلى سلوك يومي مسؤول  و مهني. كثير هم  و هن من يلجأوا  لأطباء  العظام للاستشارة  أو لحقن للتخفيف من أمراض مزمنة. أقر كثير من المختصين العالميين من  خلال يعض مقالاتهم العلمية أن بعض الأطباء يسارعون إلى العمليات الجراحية دون الإطلاع على ما وصل إليه العلم في هذا المجال.

ولكن الأهم هو لجوء بعض الأطباء إلى حلول مؤقتة مع كثير من الحرص على تحقيق ربح مادي سريع.  و لكن هناك أطباء  و طبيبات لا هم لهن  و لا هن  لهم سوى أداء رسالة  و ممارسة مهنة  و الاكتفاء بدخل  معقول و ليس بربح غير عادي. طبيبة طلبت منها إحدى المريضات حقنها في الركبة  و كان رد فعل هذه الطبيبة كتابة وصفة لشراء المادة التي ستحقن بها .  و تمت العملية بكل مهنية  و لم تكلف سوى مبلغ أقل بحوالي  1450 درهم  مقارنة مع طبيب شاب   يطالب من يلجأ إليه بمبلغ  2000  درهم  دون أن يعرفه على نوعية الدواء الذي تم إستعماله.  و الأمر يهم في الغالب كافة المستلزمات الطبية التي تغرس في جسم المواطن العليل دون أدنى قدرة على المراقبة.  ممارسة الطب تتطلب ممارسة الأخلاق  و ليس مراكمة الأملاك.  قبل سنوات عرت إدارة الضرائب عن الدخل الحقيقي لبعض  الأطباء،  و لكن فئة من أصحاب المداخيل المهنية تجاهلوا مقتضيات العدالة التي نص عليها دستور بلادنا.  و لله الأمر  و للإدارة  و المحاكم أمر إنفاذ القانون في دولة الحق و القانون.