بقلم: سفيان بن لزعر – صحافي

تعتبر مدينة سبتة المحتلة أكبر مدينة إسبانية تعاني من تفاقم ظاهرة البطالة، إضافة إلى ارتفاع مهول فيما يتعلق “بانعدام الأمن الوظيفي” (precariedad laboral)، وذلك بسبب الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا فيروس من جهة، والقرار السيادي للمملكة المغربية بإغلاق المعبر الحدودي مع المدينة من جهة أخرى. وشكل هذا القرار الضربة القاضية والمدمرة “لجيوب” سكان المدينة متسببا في ركود تجاري غير مسبوق، وهجرة نحو الضفة الأخرى للبحث عن فرص عمل.

وتتهم حكومة الثغر المحتل طرفين في هذه الأزمة، وهم الحكومة الإسبانية، لعجزها عن إيجاد حلول ناجعة وفعالة لإخراج المدينة من الأزمة، واتهامها كذلك لحكومة سانشيز، بعدم جعل المدينة ضمن أولوياته السياسية، وهو ما يجعلها تواجه مصيرها لوحدها، بالإضافة إلى اتهامها للمملكة المغربية بمحاولة “خنق” المدينة، واستعمالها كورقة ضغط على الحكومة الإسبانية بصفة خاصة، و على بروكسيل بصفة عامة. لكن مالم يتم استيعابه لحدود اللحظة من طرف حكومة سبتة المحتلة، هو أن قرار المغرب عائد بدرجة أولى إلى محاولة حماية اقتصاده الوطني، وإلى حفظ كرامة مواطنيه التي كانت تهان بشكل يومي في معبر تراخال.

سبتة تستغيث

لا يتوانى حاكم سبتة المحتلة، اليميني خوان فيفاس في جميع خرجاته الإعلامية، بطلب يد المساعدة من الحكومة المركزية، بهدف خلق بدائل اقتصادية، تخرج المدينة من حالة الغيبوبة التي تعيشها. فبعد الأضرار الكارثية التي تسبب فيها قرار إغلاق المغرب للمعبر الحدودي في شهر مارس من سنة 2020، والتي نجم عنها تخفيف من شدة الخطاب الإسباني تجاه المغرب بغية التراجع عن قراره، تسببت موجة الهجرة الجماعية يومي 17 و 18 ماي من سنة 2021، في تفاقم الأوضاع، و وضع المدينة بين مطرقة إيواء المهاجرين والتكفل بهم، وسندان عدم خرق القوانين الأوروبية والدولية المرتبطة بحقوق المهاجرين.

وتعيش سبتة داخليا صراع سياسي محتدم بين الحكومة المحلية و حزب فوكس Vox، الذي بات يكسب ود الإسبان في الثغر المحتل، ليس بسياسته أو ببرامجه، بل فقط بنوعية خطابه، الذي يحرض على العدوان على المغرب، بالإضافة إلى تلفيق تهم مجانية للمغرب بخصوص كل الصعاب التي تواجهها المدينة، رفض المهاجرين ومهاجمتهم بطرق مجانية، و دعواته المتكررة بزرع قيم الوطنية والحفاظ على الطابع الإسباني للمدينة. هذا النموذج السياسي داخل المدينة في حد ذاته يجعل من الحكومة المركزية في حالة استنفار دائم من كل ما له صلة بسبتة المحتلة، وهو ما يفشل الحوار في غالب الأحيان، ويدعم فكرة أن المدينة أصبحت تثقل كاهل الإسبان، نظرا للنزاعات العديدة المحيطة بها، والإعانات التي تصرف بالملايين، بالإضافة إلى الفكرة السائدة لدى معظم الإسبان و المتمثلة في أن الحفاظ على أمن و استقرار سبتة يعادل تقديم العديد من التنازلات لصالح المملكة المغربية.

برامج مدريد غير مقنعة

لم تعد المساعدات الحكومية كافية في كل مناسبة لإخراج المدينة من كبواتها، مما دفع الحكومات الإسبانية المتعاقبة في خلق برامج فاشلة لم تستطع تعويض اعتماد المدينة على التهريب المعيشي. آخر محاولة وهي قيد الدراسة لدى الحكومة الحالية، تتمثل في خلق نمودج اقتصادي جديد للمدينة، وذلك بعدما تأكدت مدريد بأن الحدود مع المغرب بعد فتحها مستقبلا، لن تعود كما كانت عليه سابقا، فالمغرب قرر منع ما يسمى بالتهريب المعيشي، وهو ما دفع حكومة سانشيز بعقد اجتماعات لتحديد التغييرات التي ينبغي إجراؤها عند إعادة فتح المعابر الحدودية. وينصب تركيز هذه الاجتماعات الحكومية، على المدى المتوسط و البعيد، والذي يركز حول خلق خطة إنقاذ إجتماعي واقتصادي.

الصيغة المفضلة للحكومة الإسبانية هي تثبيت الجمارك التجارية مع المغرب عند المعبر الحدودي للمدينة، لأنها ستسمح بالمرور القانوني، سواء للمنتجات المصنعة من إسبانيا إلى المغرب أو للمنتجات الطازجة (خاصة الأسماك والخضروات) في الاتجاه المعاكس. لكن قيام المغرب ببناء مناطق تجارية في محيط المدينة يدل على أن هذه الفكرة لن  تثير اهتمام الرباط مستقبلا.

الصيغة الثانية، والتي يتعين فيها تغيير نموذج سبتة الاقتصادي حسب الحكومة المركزية، يتمثل في توجيهه نحو أوروبا، لجذب شركات ترحيل الخدمات والتكنولوجيا العالية، وضخ إستثمارات لإنشاء البنية التحتية اللازمة لتنفيذ هذا النموذج، وهنا تكمن الصعوبات التي تواجهها حكومة سانشيز، خصوصا أن المغرب أصبح منافسا شرسا في ميدان ترحيل الخدمات نظرا لليد العاملة التي يتوفر عليها، وسنوات الخبرة التي كرسها المغرب لجلب استثمارات هذا القطاع.

ما لا تريد الاعتراف به الحكومة الإسبانية بخصوص سبتة المحتلة، يكمن ببساطة في أن المدينة ليست لها مؤهلات أخرى غير تلك التي كانت متعلقة بالتجارة بشكل عام، و بالتهريب المعيشي بشكل خاص، فالمدينة اليوم غير قادرة على إيجاد حلول بديلة للخروج من الأزمة، وعلى حد تعبير الإسبان، فالمدينة no da para más، أي أنها لا يمكنها أن تعطي المزيد، فكل ما كان في جعبتها، حرمها منها المغرب بقرار سيادي لا رجعة فيه.