“لا يمكننا تغيير اتجاه الرياح لكن يمكننا ضبط أشرعتنا كي نصل إلى أهدافنا”
بدعوة من الإخوة والأخوات في الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، حضرت يوم الجمعة 15 أبريل الماضي لقاء جمع بين بعض مكونات النخبة الأمازيغية، خصص لتشخيص أوضاع الحركة ومحاولة استشراف آفاق العمل الأمازيغي. ونظرا لأهمية الموضوع، ارتأيت تقاسم أفكاري ومقترحاتي، ذات الصلة، مع المهتمين وعموم نشطاء الحركة الأمازيغية.
المفارقة الصارخة
لماذ تعتقد بعض مكونات النخبة الأمازيغية أن أحوال العمل الأمازيغي اليوم أسوا مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، وكأن حال لسانها يقول ليس بالإمكان أحسن مما كان، رغم أن ما راكمته الأمازيغية من مكاسب، اليوم، يتجاوز بكثير أحلام الجيل المؤسس للحركة، وحتى الأهداف التي سطرها الجيل الثاني في العشرية الأخيرة من القرن العشرين؟
فالمفارقة الصارخة اليوم هي بين النزوع النوستالجي عند بعض المتشائمين من أحوال العمل الأمازيغي وبين حجم المكاسب التي روكمت في العشريتين الأخيرتين، وفي مقدمتها ترسيم الأمازيغية وصدور القانونين التنظيميين المنصوص عليهما في المادة الخامسة من الدستور كأليات قانونية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في افق تحقيق العدالة اللغوية والثقافية وتملك المغاربة للغتهم الأمازيغية باعتبارها رصيدا مشتركا بينهم وبدون استثناء.
نعم، لا أحد يجادل في أمر الوثيرة البطيئة التي تسير بها أورش تفعيل رسمية الأمازيغية، بل هناك أوراش لم تبدأ بعد وأخرى توقفت أو تسير وهي تترنح وقد تسقط عند كل هبة ريح، لكن يجب الإعتراف بأن ما تحقق مهم جدا ومن شأنه تعزيز مكانة الأمازيغية كورش استراتيجي ودعامة من دعامات النموذج المجتمعي الذي سيمكن المغرب من تحقيق النهضة المنشودة لِلّحاق بنادي الدول الصاعدة.
التَّعْقِيد سييلا لفهم ما يجري
إذا كانت مسؤولية الدولة ثابتة في ما يخص ضياع عشر سنوات من زمن ترسيم الأمازيغية، فذلك لا يعني أن باقي الفاعلين ومن بينهم نخب الحركة الأمازيغية كانت في مستوى التحديات ذات الصلة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فمسؤوليتها قائمة والإعتراف بذلك وتشخيصه في أفق المعالجة، قد يساهم في تصحيح ما يمكن تصحيحه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
من بين أهم عناصر التشخيص يوجد حجم الصدمة التي أصابت الكثير من الفعاليات الأمازيغية بعد تسارع التحولات في شكل ومضمون السياسة الجديدة للدولة حيال الأمازيغية منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001؛ فالنخب الأمازيغية لم تكن مستعدة لمواكبة كل تلك التحولات، وزاد ترسيم الأمازيغية الأمر تعقيدا. قبل سنة 2001 ، كان التبسيط والسببية الخطية هما السائدان داخل الحقل الأمازيغي، فقد اعتاد العقل الأمازيغي على براديغم التبسيط، فهو يعتبر أن هناك تهميش للأمازيغية والدولة مسؤولة عنه، وبالتالي يكفي الفاعل الأمازيغي ممارسة الضغط على الدولة ، بالتنديد والإحتجاج، من أجل انتزاع بعض المكاسب.
بعد سنة  2001 ، أصبحت زبدة النخبة الأمازيغية شريكا في تدبير السياسة الجديدة للدولة حيال الأمازيغية، وزادت مسؤولياتها بعد ترسيم الأمازيغية سنة 2011، وانتقلت بذلك من حقل المطالبة والاحتجاج إلى حقل إنتاج الأفكاروالفعل والتدبير، فكان عليها من موقعها الجديد  المساهمة في بلورة  وتفعيل السياسات اللغوية والثقافية ذات الصلة بإعادة الإعتبار للأمازيغية، كما كان على الجمعيات الأمازيغة مواكبة كل الأوراش المفتوحة والمساهمة في تَبْيِئَة الترسيم والقوانين التنظيمية المنصوص عليها في الفصل الخامس من الدستور.
فرضت مكتسبات 2001 و 2011 على الفاعل الأمازيغي الخروج من منطقة الراحة (la zone de confort)  والإشتغال على الذات وتعزيز قدراته ليكون في مستوى التعقيد الذي أصبح عليه الملف الأمازيغي، التعقيد كنسيج من الأفعال والأحداث والتفاعلات والإرتدادات والتحديات والتصادفات التي أصبحت من سمات الحقل الأمازيغي؛ تدبير التعقيد يتطلب القدرة على التغيير ولا سيما القدرة على مغادرة منطقة الراحة نهائيا وتجاوز مرحلة الحزن عليها (faire le deuil).
إن النزوع النوستالجي والحنين إلى مرحلة ما قبل سنة 2001 لدى بعض مكونات الحركة الأمازيغية يعود بدرجة أولى إلى عدم قدرتها على مغادرة منطقة الراحة والإرتقاء بقدراتها لتكون في مستوى تدبير التعقيد وما يرتبط به من تحديات، كما أن الإحباط الذي أصاب مكونات أخرى يعود في جانب منه إلى عجزها عن مواكبة تطورات الأحداث وافتقارها إلى القدرات اللازمة لرفع التحديات ذات الصلة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وما يتطلبه ذلك من كفاءة وخبرة ودراية.
ما العمل إذن؟
أولا، يجب على النخبة الأمازيغية العمل من أجل إخراج مكونات حركتها من حالة التشردم والتيه وتحقيق التكامل الواعي بينها، فتلك المكونات تركز للأسف على القليل من المصالح التي تختلف بشأنها وتنسى أن هناك الكثير من الأهداف والغايات التي تجمع بينها. إن تباين المصالح بين الجمعيات والأفراد داخل الحركة الأمازيغية وغياب آليات عقلانية لتدبير ذلك التباين، حَوَّلَ التناقضات الثانوية إلى تناقضات رئيسية، وشجع على الإنقسامية، وحل الشك والخلاف مكان الثقة والإختلاف، واستحال معهما العمل المشترك؛ وجب إذن على الفاعل الأمازيغي الإقتناع  بأن قوة الحركات المركبة كالحركة الأمازيغية، تكمن في الإحاطة بالدلالات الوظيفية لتعدد مكوناتها وتعدد الاختيارات داخلها.
ثانيا، العمل على بلورة استراتيجيات وخطط عمل في مستوى تحديات التَّعْقِيد كما أشرنا إليها، ولأجل ذلك وجب على الفاعل الأمازيغي التحرر من الدوغمائية والبراديمات المتجاوزة، وتجديد الخطاب الأمازيغي ومقاومة تعويم ملف الحقوق اللغوية والثقافية في بحر من القضايا الأخرى. لقد آن أَوَانُ التركيز على ملف تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتدبيره اعتمادا على النهج البراغماتي، إذ لا قيمة للأفكار والاستراتيجيات والخطط إلا من خلال نتائجها الإيجابية والفعالة والناجعة.
ثالثا، الوعي بأن الإرادة السياسية هي محصلة حركية من اتجاهين، إذا غاب أحدهما أو خفت وهجه استحال حصولها، فالإرادة السياسية لا تأتي من الأعلى أي السلطة وحدها، بل من الأسفل أيضا من خلال دور المجتمع المدني في عملية التدافع والضغط لإفراز ما يكفي من الشحنات لإطلاق شرارة الحركية من الأسفل؛ فمسؤولية تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لا تتحملها الحكومة وحدها، بل على الفاعل الأمازيغي أن يكون مبادرا وقوة تقترح تواكب وترصد.
رابعا، المساهمة في إعطاء النتصيص الدستوري على أن “الأمازيغية رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء” مدلوله العملي والقانوني والسياسي، لأجل ذلك، يجب إعادة الروح إلى الشعار المركزي والتاريخي للحركة الأمازيغية ” الأمازيغية مسؤولية وطنية ومسؤولية الجميع”؛ فتملك المغاربة للغتهم الأمازيغية سيمكن من تحقيق الكثير من الأهداف، بدءا من تفعيل حقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية مرورا بالعدالة اللغوية والثقافية وصولا إلى تعزيز مكانة الأمازيغية كدعامة من دعامات النمودج المجتمعي المغربي المنشود.
على سبيل الختم
ساهم  اجتماع يوم الجمعة 15 أبريل الماضي في جلوس بعض مكونات الحركة الأمازيغية حول نفس مائدة النقاش، اختلفوا بشأن تشخيص ما يمكن أن نسميه أزمة العمل الأمازيغي، لكن عبروا جميعا على أهمية مواصلة التشاور، فالأزمات ليست بالضرورة كوارث ومصائب، وغالبا ما تخرج من أرحامها الكثير من المبادرات والأعمال الكبرى.