عاد النقاش حول الحرف الذي يجب اعتماده في كتابة الأمازيغية، مع تداول أخبار عن قرب تأسيس المجلس الوطني للغات والثقافات المغربية، مع ما يصاحبه(النقاش) من تشنج بين الأطراف وجره الى مستويات بعيد كل البعد عن مجال اللغة واللسانيات وما يستتبعه من خوض في غمار القراءة السياسية الأيديولوجية، ما يقتضي الخوض في القضايا الساخنة واللغة والهوية والدين من مقتربات باردة، تضع نفس المسافة مع جميع الطروحات الثلاث التي تحتدم في النقاش حول الخيارات المطروحة..

وفي هذا السياق قال الباحث الدكتور مصطفى عنترة في تصريح لجريدة ” المغرب 35″ أن بعض الأوسط السياسية ما زالت تبدي عدم ارتياحها لحرف تيفيناغ، بصفته أبجدية رسمية لكتابة اللغة الأمازيغية. ولا تفوت أية مناسبة للإعلان بشكل أو بآخر عن تحفظها اتجاه الخيار الذي اعتمده المغرب أزيد من عقدين من الزمن في الموضوع. والأكثر من ذلك أن البعض شرع في الحديث عن كون سؤال الحرف سيكون ضمن القضايا التي ستطرح على المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية للنظر فيه، تحت مبررات متعددة، لعلها أهمها أن حرف تيفيناغ لم يساعد الأمازيغية طيلة هذه المدة على الانتشار والإقبال على تعلمها كلغة رسمية ثانية للبلاد.

وجدد عنترة التذكير بأن قضية حرف تيفيناغ كانت ضمن القضايا الأولى التي عالجها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعيد تأسيسه، وقد طرحت ثلاثة خيارات: الأول يتعلق بحرف تيفيناغ، والثاني بالحرف العربي، والثالث بالحرف اللاتيني. وقدم أنصار كل خيار طروحاتهم الفكرية والإيديولوجية والسياسية، ذلك أن النقاش حول هذا الموضوع اكتسب صبغة عمومية واسعة، وطغى عليه الجانب السياسي، بل وكاد يخرج عن طابعه الهادئ بعد أن هدد إخوان أحمد الريسوني بالنزول إلى الشارع للدفاع عن خيار الحرف العربي، كما راسلوا عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الأستاذ محمد شفيق (أطال الله في عمره) بلهجة شديدة عبروا فيها عن تشبثهم بخيارهم. مشيرا إلى أن الإسلاميين صوبوا سهام معارضتهم الشديدة لخيار الحرف اللاتيني، الذي تبنته غالبية مكونات الحركة الأمازيغية اعتباراً لما يتوفر عليه من مزايا متعددة من شأنها أن توفر شروطاً للغة الأمازيغية للالتحاق بركب تكنولوجيا الاتصال المتطورة، وتساعد على انتشارها على نطاق واسع.

وتابع ذات المتحدث بالقول:”لقد تابعنا حينها النقاش الساخن الذي قسّم المجتمع إلى ثلاثة اتجاهات، كما تابعنا النقاش الذي هيمن داخل المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي أوكلت إليه مهمة المصادقة على هذا الموضوع، وهكذا صوت أعضاء المجلس الإداري للمعهد في الدورة الثانية لفائدة حرف تيفيناغ، وتم رفع الأمر إلى الملك محمد السادس للحسم فيه بشكل نهائي طبقاً لمقتضيات الظهير المحدث لهذه المؤسسة. وقد صادق الملك على هذا الخيار قبل استشارة مختلف القوى السياسية التي باركت بدورها هذا الخيار، باستثناء حزبين سجلا تحفظهما. كما تم الاعتراف بعد سنة من هذا الحدث أي 2004 بحرف تيفيناغ من قبل المنظمة الدولية لمعيرة الخطوط ISO UNICODE ليكتسب بذلك بعداً دولياً.

وللإشارة، يضيف عنترة، كان أحد الأحزاب المحافظة قد تقدم بمقترح قانون تنظيمي حول المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، اقترح فيه السماح للمغاربة بكتابة اللغة الأمازيغية بالحرفين معاً، أي تيفيناغ والعربي. كما ما فتئ حزب إسلامي ينتقد خيار تيفيناغ ويدعو إلى مراجعته.

وشدد الناشط والباحث في مجال الأمازيغية على أنه ” مر ما يقرب من عقدين من الزمن على اختيار تيفيناغ، وأصبح هذا الحرف الذي يرمز إلى خصوصية الثقافة الأمازيغية جزءاً من الفضاء العام يكتب به الأبناء في المدرسة، وتكتب به واجهات المؤسسات العمومية والمنشآت الخاصة، كخيار استراتيجي للدولة من الصعب مراجعته، لا سيما أن المغرب قطع أشواطاً في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المجالات المحددة لها من قبل القانون ذي الصلة.

وعلى الرغم من أن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية يعد مؤسسة وطنية دستورية مستقلة وذات مرجعية في بلورة التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال السياسات العمومية المرتبطة باللغة والثقافة، فإنه أيضاً فضاء للتداول في كل القضايا التي تهم اللغة والثقافة، وسيسعى إلى إنتاج المقاربة الناجعة لتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، الذي يميز المجتمع المغربي في اتجاه تقوية اللحمة الوطنية من خلال ترسيخ التماسك الاجتماعي وتعزيز الاستقرار السياسي وتثمين البناء المؤسساتي الديمقراطي التنموي.

وأكد أن خيار تيفيناغ يعد خياراً استراتيجياً للدولة تم اعتماده بمشاركة الفاعل الأمازيغي ومصادقة مختلف القوى السياسية ومباركة الملك، وبالتالي الدفع بعودة النقاش إلى ما قبل سنة 2003 هو بمثابة العودة إلى نقطة الصفر، وكذلك هدر للزمن السياسي ينضاف إلى ما عشناه من هدر زمني تشريعي قبل المصادقة على القانونين التنظيميين المتعلقين بمراحل تحديد الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

وعبر في ذات السياق قائلا:” أعتقد أن طرح النقاش في الموضوع هو محاولة للتشويش على ما تحقق من مكتسبات نوعية مهمة في مجال الأمازيغية، قد يجرنا إلى المطالبة بمراجعة العديد من المكتسبات التي تحققت في مجال الحقوق الثقافية واللغوية، وبالتالي ضرب أحد مقومات الشخصية المغربية و”الاستثناء الثقافي” المميز لبلادنا. وما بات مطلوباً اليوم هو تقييم هذه التجربة بعيداً عن أي حسابات سياسية أو توظيف إيديولوجي في أفق الخروج بخلاصات تعطي أفقا جديدا اللغة الأمازيغية، وتعزز وتقوي هذا الخيار مع الاستفادة من تجارب بلدان اختارت حروفاً ترمز إلى خصوصيتها الثقافية والحضارية كالصين والهند وغيرهما، ونجحت في تحقيق إشعاع دولي.

وأضاف :” أعتقد أن المغرب ربح رهاناً قوياً من الناحية الرمزية في اختيار أبجدية تيفيناغ، لكونه تفادى أي صدام هوياتي في المستقبل، على اعتبار أن الهاجس الأمني كان حاضراً في هذا الشأن، وبالتالي فالمطلوب اليوم هو توفير الإمكانات اللازمة وتعميق التفكير العلمي الرصين بعيداً عن التوجهات الإيديولوجية والسياسية في سبيل تحقيق الإشعاع المطلوب من حرف قديم يعود إلى ظهوره إلى المنقوشات الصخرية.. لا سيما أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة علمية استشارية يحتوي على خيرة الباحثين والخبراء في مجال اللغة.

وختم مصطفى عنترة قائلا “إن رهان تطوير اللغة الأمازيغية سيكون ضمن الملفات المهمة التي سينكب عليها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بهدف الرقي بها كلغة للتواصل على مستوى شمال أفريقيا والدياسبورا، وكذلك كلغة رسمية ثانية للبلاد في زمن تحدي العولمة والحاجة إلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولاً في العالم.