قبل الضجة المفتعلة حول الافطار في رمضان, تشرفت منذ سنوات باعداد مشروع مذكرة ترافعية لصالح جمعية بيت الحكمة في مبادرة فريدة حول “حرية الضمير و المعتقد”, واستحضرت تكرار الوقائع :المرتبطة بانتهاك حق الضمير والمعتقد في بلادنا بما يتعارض مع مسؤولية الدولة في ضمان ممارسة الحقوق الدينية والاعتقادية للمسلمين وغير المسلمين، وبما يضيق من مساحات ممارسة هذه الطقوس من قبيل
. منع الطقوس الإسلامية المختلفة عن المذهب المالكي ، والمضايقات التي يتعرض لها مغاربة تحولوا من المذهب السني إلى المذهب الشيعي.
. التضييق على بعض حالات تغيير الدين باعتناق ديانات أخرى كحالات اعتناق البهائية أو المسيحية.
. التهجم على أنماط من السلوك أو التفكير أو الإبداع الفني بمبرر أنها “زعزعة لعقيدة المسلمين”.
.استمرار رفض الزواج المختلط الذي يشترط اعتناق غير المسلم للإسلام في حال رغبته في الزواج من مسلمة، وعدم توارث المسلم وغير المسلم بصرف النظر عن درجة القرابة.
.التضييق على مواطنين بسبب عدم الامتثال لأمور العبادة،أو بعض الفرائض مثل تجريم الإفطار العلني في رمضان.
. التضييق على مواطنين بسبب معتقاداتهم واختياراتهم بتهمة عدم الإيمان والإلحاد.
. انتهاك حق ممارسة الشعائر الدينية غير الإسلامية في السجون بالنسبة للأجانب غير المسلمين.
. استمرار التضييق على فئة من المجتمع خاصة بسبب اللباس…
-ولأن مشروع القانون الجنائي يتعارض في العديد من مقتضياته مع مضمون الدستورالجديد ومراميه ، ويشرع للعقوبات السجنيةالتي تناقض الحق في التفكير، وحرية الضمير….

وطالبت المذكرة على الخصوص بما يلي:

أولا – فتح نقاش مجتمعي حول حرية الضمير والمعتقد كتجسيد عملي لإعلان مراكش وخاصة اتخاذ التدابير السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق المواطنة التعاقدية، وإلى دعم الصيغ والمبادرات الهادفة إلى توطيد أواصر التفاهم والتعايش بين الطوائف الدينية في الديار الإسلامية.
ثانيا – اتخاد التدابير القانونية والمؤسساتية لضمان حق الضمير والمعتقد وتنمية الحريات الفردية والجماعية المرتبطة بهذا الحق ، وإعادة النظر في فصول القانون الجنائي وخاصة الفصلين 222 و 220 و المواد ذات الصلة في مدونة الأسرة و وقانون الجنسية بشكل يضمن حرية الضمير والمعتقد للأفراد والجماعات.
ثالثا – تجريم خطابات الحقد والكراهية والحد من تنامي تكفير المخالفين من ذوي المعتقدات المنتمية لمذاهب أخرى، أو لديانات سماوية مختلفة،أو لغيرها من المعتقدات.
رابعا – إدماج حرية الضمير والمعتقد بشكل صريح في الوثيقة الدستورية والتنصيص عليهاكإحدى الحقوق المكفولة للمواطن المغربي على غرار دساتير عدد من دول شمال افريقيا والشرق الأوسط ومنها الدستور التونسي الذي ينص في فصله السادس على أن «الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والضمير»، و انسجاما أيضا مع المفهوم الجديد للهوية الوطنية المتعددة الروافد، وتجسيدا لسمو الاتفاقيات والعهود الدولية على القوانين الوطنية، وأيضا امتثالا لمقتضيات انضمام المغرب الى البرتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،والبرتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،والبرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة.
خامسا – إصلاح النظام التربوي، و مراجعة مضامين المقررات الدراسية ومن ضمنها مقررات التربية الإسلامية انسجاما مع التوجيهات الملكية في الموضوع، وهو ما نثمنه عاليا ، باعتباره استجابة لحاجة مجتمعية وثقافية وحضارية ،واستجابة لطموحاتنا من أجل مغرب متعدد، مختلف،متضامن، وموحد.

وكل ذلك اخدا بالاعتبار ما يلي :

أولا:
انطلاقا مما تضمنه الملتقى الدولي حول موضوع “حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية الإطار الشرعي و الدعوة إلى المبادرة” المنعقدبمراكش يوم (27 يناير 2016) والذي دعا الساسة وصناع القرار إلى اتخاذ التدابير السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق المواطنة التعاقدية، وإلى دعم الصيغ والمبادرات الهادفة إلى توطيد أواصر التفاهم والتعايش بين الطوائف الدينية في الديار الإسلامية من خلال :
أ-مضمون الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في المؤتمر حول «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية .. ، والتي أكد فيها ما نصه «إننا في المملكة المغربية لا نرى مبررا لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية، ولا نقبل أن يقع ذلك باسم الإسلام، ولا نرضاه لأحد من المسلمين. ونحن، في اقتناعنا هذا، إنما نستلهم الفهم الصحيح لمبادئ الدين كما نستلهم تراثنا الحضاري وتاريخ هذه المملكة العريقة في التعامل النبيل بين المسلمين وبين غيرهم من أتباع الديانات». والتأكيد على أن « المرجع الأول للمبادئ التي نلتزم بها في هذا الموضوع هو القرآن الكريم الذي يعلن عن تكريم الله للإنسان، من حيث هو إنسان. وفي سياق ترسيخ هذه الكرامة أكد القرآن الكريم حقيقة كونية منبثقة عن المشيئة الإلهية تتلخص في أن الله عز وجل اقتضت مشيئته أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم على نحو ما هم مختلفون في ألوانهم ولغاتهم وأعراقهم. وذلكم ما وطن في نفوس المسلمين قبول التعددية».

ب. إعلان مراكش الذي أصدرته 300 شخصية من علماء المسلمين وممثلي الدول الإسلامية والطوائف الدينية والأديان عبر العالم ذكر بالمبادئ الكلية والقيم الجامعة التي جاء بها الإسلام ومنها على وجه الخصوص، تكريم الاسان، وحرية الاختيار، والتعارف والتعايش الإنسانيين :
(ولقد كرمنا بني آدم – الإسراء: 70) ، (لا إكراه في الدين- البقرة: 256)، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» – يونس 99)، (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا- الحجرات: 13

ثانيا ، لأن المغرب صادق في أبريل 2014 على القرار الأممي المتعلق بحرية الدين والمعتقد، والذي تقدمت به أزيد من 60 دولة ، في الجلسة الختامية لمجلس حقوق الإنسان ضمن التوصيات الختامية للدورة الخامسة والعشرين التي احتضنتها مدينة جنيف السويسرية.

ثالثا، لأن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عينت بعد صدور القرار 20 / 1986 مقررا خاصا معنيا بالتعصب الديني، وأنه سنة 2000 قررت لجنة حقوق الإنسان تغيير تسمية الولاية إلى «المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد»، وأقرها بعد ذلك مقرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ورحب بها قرار الجمعية العامة، واعتمدها مجلس حقوق الإنسان عام 2010 .

رابعا، لأن هناك مواثيق دولية وإقليمية أشارت إلى الحق في تغيير الدين واعتبرته مندرجا ومشمولا في إطار حرية الاعتقاد والدين . مثال عن ذلك ما ورد في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاء فيها «لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده»، و نفس الأمر نجده في المادة 12 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في نسجها للعلاقة القائمة بين تغيير الدين وحرية العقيدة وكذلك في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق الأسيوي لحقوق الإنسان الذي نص صراحة على تغيير الدين في البند 3 من المادة السادسة».

خامسا: لأن المواثيق الدولية أكدت على حرية الاعتقاد، وأشارت إلى تغيير الدين بشكل ضمني، مثال عن ذلك المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي ينص على أن «لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين »، تحدد الأبعاد الأربعة الأساسية التي ينطوي عليها هذا الحق وهي:
أـ حرية المرء في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
ب ـ حريته في إظهار دينه أو معتقده، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
ج ـ عدم جواز إخضاع أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في أن يدين بأي دين أو معتقد يختاره.
د ـ إمكانية إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده..
سادسا: لأن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تؤكد على أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء التي يرتئيها دون أية مضايقة. وتوضح الملاحظة العامة للجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة 18 من العهد أن المقصود بالدين أو المعتقد هو «معتقدات في وجود إله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد». كما أن الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد قدم في المادة الأولى منه تعريفا واضحا لحرية الفكر والوجدان والدين أو المعتقد المنبثقة من حق الإنسان في اعتناق ما شاء من أفكار ومعتقدات ودين وفي ممارستها والجهر بها، وحدد بكيفية دقيقة نطاقها ، ويعتبر في المادة الثالثة منه التمييز على أساس الدين أو المعتقد إهانة لكرامة الإنسان وإنكارا لمبادئ الأمم المتحدة، مضيفا أنه مدان بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

سابعا: استنادا إلى ما أكد عليه المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد بطهران ما بين 29 أبريل و13 ماي 1968 من أن من واجبات الدول احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دونما تمييز لأي سبب، وأن الهدف الرئيس للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان هو تمتع كل إنسان بأقصى الحرية والكرامة، وأن تحقيق هذا الهدف يقتضي أن تمنح قوانين كل بلد لكل فرد، بصرف النظر عن عنصره أو لغته أو دينه أو معتقده السياسي، حرية التعبير والإعلام والضمير والدين، وحرص على حث جميع الدول على الولاء الكلي للمبادئ المجسدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى مضاعفة جهودها من أجل توفير حياة تتفق مع الحرية والكرامة وتفضي إلى الرفاهة الجسدية والعقلية والاجتماعية والروحية للبشرية جمعاء.

ثامنا: رغم أن الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لا يكتسي أية صبغة إلزامية، إلا أنه يعتبر أهم تقنين دولي معاصر لمبدأ حرية الضمير والديانة أو المعتقد، من حيث كونه يقدم في المادة الأولى منه تعريفا واضحا لحرية الفكر والوجدان والدين أو المعتقد المنبثقة من حق الإنسان في اعتناق ما شاء من أفكار ومعتقدات ودين وفي ممارستها والجهر بها، ويحدد بكيفية دقيقة نطاقها وفقا لما جاء في المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويعتبر في المادة الثالثة منه التمييز على أساس الدين أو المعتقد إهانة لكرامة الإنسان وإنكارا لمبادئ الأمم المتحدة، مضيفا أنه مدان بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

-تاسعا، و لأن مفهوم الحرية الذي جاء به الدين الاسلامي، والقرآن نفسه هو أن يكون للفرد حرية الاختيار دون ضغط مستندا في ذلك إلى الآية الكريمة «لا إكراه في الدين» ، وهي آية محكمة صريحة تفيد أن الأصل الطبيعي للإنسان ألا يكره في عقيدته قبلا ولا بعدا، . ولأن حرية المعتقد وعلاقتها بحكم «المرتد» يتطلب تفصيلا في القول، ومن الآيات التي تقرر ذلك في عهد الدعوة المحمدية، قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم : «قل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وأيضا قوله تعالى «لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ».