بعد مرور أكثر من عشر سنوات على احداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان كآلية وطنية للتنسيق في مجال تفاعل المغرب مع الآليات الدولية لحقوق الانسان، بما فيها على الخصوص الآليات الأممية، تسمح بمقاربة إشكالية الاختيار المؤسساتي المناسب في مجال التنسيق الوطني على المستوى الحكومي، ومدى تمكن  المندوبية من تعزيز آلية وطنية دائمة لإعداد التقارير  في الوقت المناسب والتنسيق في متابعة  توصيات وقرارات اللجان التعاهدية لحقوق الإنسان، كما تحث عليه مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

هذا الموضوع عالجه بدقة متناهية الأستاذ الجامعي المحجوب الهيبة عضو اللجنة المعنية بحقوق الانسان بالأمم المتحدة في مقال بعنوان ” الآليات الوطنية للتنسيق في مجال حقوق الانسان: الاختيار المغربي بين تحديات التملك وإكراهات الإمكانيات”،نشر بمجلة “دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية”، في ملف عددها الأخير  خصصته لإشكالية ” إدارة حقوق الإنسان ومؤسسات الحكامة بالمغرب”، بمساهمة باحثين وأساتذة وخبراء، استعرض فيه بالخصوص التطور المطرد للمنظومة  الدولية لحقوق الإنسان في ظل تحديات التنسيق الوطنيفي ظل تعزيز إحداث وتعميم بنيات حكومية خاصة.

وتوقف الأستاذ الهيبة في مقاله المطول عند مسار التجربة المغربية في مجال التفاعل مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان التي تتطلب – في نظره – اختيارا مؤسساتيا للانتقال من المقاربة القطاعية الى المقاربة العرضانية، متسائلا في هذا الصدد عن أي اختيار مناسب لإشكاليةإدارة حقوق الانسان والتجربة المغربية في مجال التفاعل مع الآليات الأممية لحقوق الانسان؟.

تراجع وتحريف لولاية الآلية

وعبر عن اعتقاده بأن إلحاق المندوبية الوزارية سنة 2017بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان، ” شكل في الواقع تراجعا” عن طبيعة وولاية الآلية والهامش الواسع الذى كانت تتمتع به كبنية حكومية،  تقوم بالتنسيق الوطني بين مختلف القطاعات الوزارية المعنية، وتضع خبرتها رهن اشارتها، وخاصة القطاع الحكومي المكلف بحماية حقوق الفئات ذات الهشاشة، مذكرا بأن الاختيار المؤسساتي المتمثل في وزارة لحقوق الإنسان، قد أصبح يتراجع أكثر فأكثر عبر العالم مع ارتفاع مستوى الوعي بالطابع العرضاني لحقوق الانسان، فضلا عن أن هذا الاختيار يساهم في خلق عدم الاستقرار المؤسساتي  فيما يخص التنسيق الوطني في مجال حقوق الإنسان.

كما سجل أن  هذا الالحاق ترتب عنه ” بداية تحريف” لولاية المندوبية، إذ أصبحت تباشر مهام الحماية التي لا تدخل في مجال اختصاصاتها بصورة ممنهجة، و” حصل ارتباك”  حتى في المراسيم المتعلقة بوضعية المندوبية ضمن المشهد المؤسساتي الوطني لحقوق الانسان، منذ الحاقها بوزارة قطاعية إلى اليوم.

ولخص الأستاذ الهيبة، التحديات الرئيسية التي تواجه المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، في العمل على مسايرة وتيرة التقارير برسم المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والتفاعل مع هيئات المعاهدات فيما يتعلق بالبلاغات الفردية، ورفع تحديات تملك الأبعاد الجديدة لحقوق الانسان والنواقص الملحوظة في التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية بحقوق الانسان، وإشكالية التكوين والتكوين المستمر لأطر المندوبية والقطاعات الوزارية الأخرى.

مقترحات لتحسين الأداء

ومن أجل تحسين أداء المندوبية، قدم الأستاذ الهيبة عددا من المقترحات منها تعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية ب”إحداث نقط بؤرية” في كل قطاع معنى تكون بمثابة  المخاطب الرسمي الدائم للمندوبية وتطوير شراكات مع الآليات المماثلة عبر العالم وذلك لتبادل التجارب وتطوير ممارسة التوأمة مع بعضها للانفتاح على الممارسات الفضلى في مجال اعداد التقارير والتفاعل مع الآليات الدولية لحقوق الانسان وبالتعاون بشكل خاص مع مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان والنهوض بالشراكات مع المنظمات غير الحكومية الوطنية الإقليمية والدولية، المختصة مع التنسيق مع المؤسسات الوطنية ذات الولاية الشاملة والمتخصصة.

ويشكل تعزيز التعاون مع كل من البرلمان خاصة لجنة التشريع والعدل وحقوق الانسان بالمجلسين وكذا القضاء من خلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وقطاع الشؤون الخارجية للنهوض بدبلوماسية حقوق الإنسان والمندوبية السامية للتخطيط والانفتاح على الوكالات المتخصصة المعتمدة بالمغرب جانبا من المقترحات التي تضمنها مقال الأستاذ المحجوب الهيبة الذي شدد كذلك على ضرورة ” اعتماد خطة استراتيجية” خاصة بالمندوبية تجدد فيها الأولويات انطلاقا من طبيعة ولايتها وإدخال تعديلات جوهرية على المرسوم المحدث لها والمحدد لاختصاصاتها.

مكسب يحتاج للتطوير

وإن كان يعتبر المحجوب الهيبة، أن إحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان، “يعد مكسبا في مجال تفاعل المغرب مع الآليات الدولية لحقوق الانسان، بما فيها الآليات الأممية”، الا أنه شدد على ضرورة المحافظة على المكانة التي تحظى بها دوليا، لكن على أساس تطويرها بما يساير التوجه العام عبر العالم.

وكان الحبيب بلكوش مدير مجلة ” دراسات حقوق الانسان والديمقراطية”،قد أوضح في كلمة العدد، أن دستور 2011، كرس حقوق الإنسان بشكل جلي، ونص على إحداث مؤسسات جديدة وإقرار مكانة دستورية لمؤسسات أخرى، قصد تعزيز أدوارها في النهوض بهذه الحقوق وحمايتها موضحا أن مسافة عشر سنوات هاته “تسمح باستخلاص دروس أولية لقراءة ومساءلة ما تحقق وما بقي عالقا”، وأيضا مع ما يطرحه ذلك من أسئلة مرتبطة بوثيرة  إعمال مقتضيات الدستور ، ودرجة التراكم الذي تحقق، واشكالية الإضافة النوعية لكل هذه الترسانة، مع استحضار الضوابط الدولية المؤطرة لها .

 

جمال المحافظ