كان لحضور رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لمقر البرلمان الإسباني لجلسة المناقشة  للقرار الذي اتخذه باسم الدولة الإسبانية الذي أعلنت فيه إسبانيا عن دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء،في موقف اعتبرته مختلف الأوساط تحولاً نوعياً في سلسلة المواقف التي تتعلق مباشرة بملف الصحراء، و قد يكون ثاني أكثر القرارات و المواقف الدولية بعد الموقف الأمريكي التي تعكس حسم الملف لصالح المبادرة المغربية التي أصبحت اليوم تحظى بإجماع دولي و أممي،خاصة و أن رئيس الحكومة الإسبانية في خطابه جعل من موقف بلده الجديد ملائما للمواقف الأروبية باعتباره “يتماشى مع موقف الشركاء الأوروبيين والبلدان الأخرى” حسب ما جاء على لسانه، و كذلك متوافقا مع المتغيرات التي شهدتها مختلف المواقف الدولية و الأممية من الملف، بقوله “فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وجميع قرارات الأمم المتحدة، تعطي موافقتها على الجهود الجادة والمصداقية للمغرب”.

بيدرو سانشيز في خطابه وضع الموقف الإسباني في صلب التحولات الدولية التي شهدها الملف مستحضرات بواقعية كبيرة هذه التحولات سواء داخل  أوروبا أو خارجها خاصة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية خاصة و أن هذه الأخيرة عززت من موقفها الداعم لمغربية الصحراء،و كذلك من طرف الأمم المتحدة و هنا رئيس الحكومة الإسباني أعلن عن دعم مجهودات ستافان دي ميستورا و هي مجهودات تستند على قرارات مجلس الأمن آخرها قرار 2602.

بيدرو سانشيز أجاب على واحدة من النقط التي ظل المغرب يطرحها مع اسبانيا، و شكلت عامل توتر سابق، تتعلق بمطلب مغربي بضرورة الوضوح في الخطاب و المواقف المُعلن عنها من قبل إسبانيا اتجاه المغرب بشكل عام و اتجاه قضيته الأولى بشكل خاص، و هو ما استجاب له رئيس الحكومة الإسبانية في خطاب شجاع، أوضح فيه بما لا يدع مجالا للشك أن إسبانيا استوعبت طبيعة الحل الذي قدمه المغرب منذ سنة 2006، و أنها تعتبر المغرب شريكها القوي في المنطقة و الموثوق فيه و هي بذلك ترد على سلسلة الخطوات التي حاول النظام الجزائري القسام بها اتجاه الجارة الشمالية لابتزازها بالغاز.

لقد كان بيدرو واضحا أمام البرلمان الاسباني،رغم حالة الجلبة التي أقامها برلمانيون بوديموس و اليمين المتطرف المنتمي عقائديا لفكر فرانكو  قبيل انعقاد الجلسة للضغط عليه قصد تليين خطابه على الأقل لمعرفتهم أن سانشيز ماضي في خطوته التصالحية اتجاه المغرب بخطاب واضح، و شجاع، إلا أنهم فشلوا ليجدوا أنفسهم أمام مسؤول سياسي استوعب جيدا طبيعة الملاحظات التي سبق للمغرب أن قدمها لإسبانيا و التي كانت السبب في القطيعة التي عاشها البلدين،و أنه لن يغامر بكل الحوار الذي دار بين قيادة البلدين من أجل حفنة من السياسيين تشكل أقلية داخل المجتمع الإسباني، أصبحت متجاوزة بمنطق التاريخ.

لقد تم تجاوز صفحة الخلافات بفضل الحوار الشفاف، الواضح الطموح الذي قاده الملك مع رئيس الحكومة الإسباني، و هو الحوار الذي شكل العمود الفقري لخطاب الملك لثورة الملك و الشعب التي ذكر فيها إسبانيا بالاسم، معلنا عن رعايته للحوار مع إسبانيا لتجاوز الخلافات التي كادت أن تعصف بالعلاقة بين البلدين، و هي الصفحة التي لن يتم العودة إليها مادام أن رئيس الحكومة أعلن بشكل واضح عن مواقف بلده الجديدة و أبدى رغبة حقيقية للمضي قدما نحو بناء شراكة تجمعهما باعتبار اللحظة الحالية حسب قوله “فرصة سانحة بالنسبة لإسبانيا من أجل حل كل المشاكل التي تعاني منها مع المغرب”

خطاب بيدرو الشجاع، كان مناسبة ليرد عليه الملك محمد السادس “بتحية” دبلوماسية تجلت في البلاغ الذي تم إصداره الذي أطَّر فيه المتغيرات الكبيرة التي يشهدها البلدين، موجها بشكل رسمي دعوة لرئيس الحكومة الإسبانية لزيارة المغرب التي قد نشهدها في الأيام القليلة المقبلة، داعيا فيها مختلف وزراء البلدين للقيام بكل ما يتطلبه الوضع لإعادة الدفئ و الإنطلاق مجدداً في سلسلة المشاريع الاقتصادية و الثقافية و السياسية التي يجب أن تجمع البلدين و تعكس طموحاتهما الكبيرة في عودة الدفئ بين البلدين من خلال القيام “بأنشطة ملموسة في إطار خارطة طريق طموحة، تغطي جميع قطاعات الشراكة، وتشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك” حسب بلاغ الديوان الملكي.

بيدرو سانشيز أقدم على الخطوة الصحيحة التي كانت مطلوبة منه، و كان الجميع ينتظرها، بأن يتم حسم الجدل داخل المؤسسات الإسبانية و أمام الرأي العام الإسباني و طبقته السياسية بمختلف تلاوينه،هي خطوة ستعيد البلدين لسابق عهدها، متجهة نحو المستقبل  أكثر قوة، وضوح و ستشكل هذه اللحظة مناسبة لإنعاش المنطقة المتوسطية التي تأثرت بالقطيعة التي كانت موجودة بين البلدين، فكلاهما مهمين لهذه المنطقة، المغرب كرائد لأفريقيا و شمالها، و إسبانيا كبوابة للمنطقة المتوسطية شمالا، هذه القطيعة التي تم طيها و طي صفحتها بالروح التي سادت في خطاب بيدرو سانشيز.

المغرب كان دائما واضحا مع أصدقائه، شركاءه و  مع خصومه، هذا الوضوح هو ما أهله ليقف في وجه كل العواصف التي أرادت المس به، خرج منها قوياً، منتصراً بإرادة شعبه و بقيادة ملكه و محققا لكل أهدافه الاستراتيجية خاصة منها ما يتعلق بالقضية الوطنية التي تعيش فصلا جديدا من فصول حسمها السياسي.