بقلم: محمد بلعيش: الاتحاد و أفق 2026 “دريس” خادم “جيوب المقاومة” ..المناصب لا تصنع القادة
قدر “إدريس” أن يكون “خادما” لـ “جيوب المقاومة” لا رجل دولة. فرجال الدّولة لا “يبزنسون” فيها، ولا يتكاسلون عن “عصر” أدمغتهم من أجل تقديم ما هو أفضل للبلاد والعباد. قدره أن ينقل العمل الحزبي من خانة التطوّع والتّضحيّة، إلى خانة “التّكسّب” و”التّدليس” من أجل بعض من “وسخ الدّنيا” للأتباع.
عقدة “إدريس” الأبديّة، هي أنّ الكتابة الأولى لم تجعل منه قائدا للاتّحاديّين، بل عدوّا بيّنا لكلّ الصّادقين منهم. ولأنّ “جيوب المقاومة” كانت متأكّدة من ذلك، فقد فرشت له الأرض “صابونا”، فصار “يتزحلق” بين البلاطوهات والجهات ظانّا منه أنّ جلوسه على مقعد السّي عبد الرّحيم، والسّي عبد الرّحمان، والسّي عبد الواحد، سيجعله من طينتهم. في حين أنّ أبجديّات القيّادة، أثبتت أنّ المناصب لا تصنع القادة، بل القادة هم من يصنعونها بمواقفهم الوطنيّة الواضحة.
“السّي عبد الرّحيم” قال للحسن الثّاني: “ربّ السّجن أحبّ إليّ من أن ألتزم الصّمت وألّا أقول رأيي في قضيّة مصيريّة وطنيّة”. “السّي عبد الرّحمان” كان قائدا صوفيّا فقال: “أنا زاهد في المنصب يا جلالة الملك، لكنّ حزبي أحقّ به”. “السّي عبد الواحد” كان قائدا لأنه ظلّ محافظا على وحدة الصّف، وحريصا على عدم “الانتحار الجماعي”.
هناك قادة كثر لم يصل “إدريس” لظفر خنصرهم، لكنّهم قادوا من الخلف وزهدوا في المناصب. بل قدّموا وقتهم وفكرهم وحرّ مالهم من أجل مغرب أفضل. بينما “إدريس” أحرقنا كما أحرق نيرون روما، ووقف على رمادنا وتاريخنا وتضحيات ضاربة جذورها في عمق التّاريخ الوطني المعاصر. لقد مسح بكرامة الاتّحاديّين الأرض من أجل منصب وزاري. “إدريس” ببساطة “ابن عاق للاتّحاد الاشتراكي” كما وصفه “السّي جسوس”. ولو قدّر “للسي محمد” العيش، لرأى كيف أنّ “جيل الضّباع” الّذي حذّر منه، صار منّا وفينا، ويبيع الحزب ومناضليه بدراهم معدودات.
قدر “إدريس” أن يكون “بلطجيّا” ليس إلّا. يحمل في محفظته “سلسلة الدّراجة الهوائيّة” وينكّل بكلّ من خالفه الرّأي في الجامعة والشّبيبة. قدره أن يبدع في “البلطجة”، ويفشل في مقارعة الحجّة بالحجّة، أو يحتكم للدّيمقراطيّة. قدره أن يكون أداة للتّدمير، لا وسيلة للبناء.
جعل -إلى جانب آخرين طبعا- تجربة “السّي عبد الرّحمان” في التّناوب التّوافقي جحيما. وبعد إنجاز المهمّة بنجاح، استبعد من البرلمان ومن الحكومة. فلم يجد أمامه سوى الابتزاز من خلال تشكيل ثنائيّ “رائع” مع “الرّميد”. فكانت النّتيجة “عظمة وزاريّة” في حكومة كان من أشدّ المناهضين لها. قدره أن يكون منشّط زمن الشّعبويّة السّيّاسية إلى جانب “عبد الإله وإلياس وحميد”. قدره أن يكون أداة في يد “جيوب المقاومة” لـ “البلوكاج الحكومي”، ويستبعد من حكومة ظنّ أنّه طرف فيها بـ “تغماض العنين”.
العارفون لـ “إدريس” يعلمون أنّه صاحب موّال “طنّي ولا نغنّي”. فقد أبدع “التغوّل الثّلاثي” في العلن، وحلم بجعله رباعيّا في السّر. إلّا أنّ ابتزازه للدّولة هذه المرّة “خرج فالحيط”. قدره أن يجعل المعارضة الاتّحاديّة الّتي كان يتابعها الحسن الثّاني رحمه الله خلف الشّاشة، معارضة منبطحة لا “تهشّ ولا تنشّ”. بل أسوأ معارضة في تاريخ الأحزاب الوطنيّة منذ الاستقلال.
للتّاريخ مكر لا ينجو منه سوى الصّادقون. وتشاء الأقدار بأن يعيد التّاريخ نفسه، فإذا كان الأستاذ قد خرج من الباب الضّيّق للسّيّاسة بسبب “صاكادو”، فمكتب دراسات فاشل سينهي المسيرة السّيّاسيّة لتلميذه في قادم الأسابيع. إلّا إذا كان لـ “جيوب المقاومة” رأي آخر، كأن تكون عمليّة “التجفاف” مستمرّة في الزّمن مثلا.
لقد كنّا سيّئي الحظ لنشهد على هذه الفترة العقيمة والمتعفّنة من تاريخ الحزب. من يصدّق أنّه بعد أربعة أسابيع تقريبا من صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، مازالت الأجهزة الحزبيّة تدسّ رأسها في الرّمال كنعامة، بينما سوأتها في الهواء الطّلق يتعقّبها “لي يسوا ولي ما يسواش”. أربعة أسابيع و”القادة الجدد للاتّحاد” يزيّنون للزّعيم سوء عمله كشيطان رجيم. أربعة أسابيع والشّباب مشغولون بـ “إفطار الصّائم”. أربعة أسابيع ومازال “المدلّسون” في مواقعهم، والزّعيم في منصبه، والجريدة في سباتها، والمنتخبون في صمتهم.
ارحمونا رجاء، واعقدوا مؤتمرا استثنائيّا بنقطتين فريدتين: تغيير اسم الحزب، وشرعنة توريثه. فهذا زمن أغبر “هوّلتو” فيه الشّهداء في تربتهم بـ 200 مليون”. وقفزتم بالحزب من زمن المهدي “لي بلا قبر” إلى زمن المهدي “لي بمكتب دراسات كوبي كولي”.
أيّ ذلّ يا “إدريس” أن تعافك “جيوب المقاومة” الّتي قدّمت الحزب ومناضليه الأوفياء قربانا لها من أجل الاستوزار. ما أتعسك يا “إدريس” فلن يذكرك المغاربة إلّا مبتزا من أجل مآرب خاصة، ولن يذكرك الاتّحاديّون إلّا “ابنا عاقا للاتحاد الاشتراكي للقوّات الشّعبيّة”.