بقلم: محمد بلعيش.. سرطان الاتّحاديّين الجدد
كان الاتّحاد عصيّا على “الآخرين”، حين كان مناضلوه زاهدين في المناصب، بريئين من المال العام، كافرين بالمال الحرام، جاهرين بالحقّ، رغم برودة الزّنازين، ولهيب غرف التّعذيب. كان الاتّحاد قويّا بصحافة لا تتوسّل دعم أحد، بل تعيش من أقلام رجال لم يُسكتهم عن الحقّ سوى الموت. كان الاتّحاد ملاذ القّوات الشّعبيّة، حين كانت معارضته تقول ما تفعل، وتفعل ما تقول، ولا تخشى في الحقّ لومة لائم. كان الجميع يفخر ب “دربالة الاتّحادي” الّتي “ما يلبسها من والا”. كان وكنتم وكنّا، ثمّ أجهض التّناوب التّوافقي، وتلاه زمن الانفتاح بذريعة “موت” المخزن، حينها، بدأت ملامح اتّحاد جديد تتشكّل. وزُرعت بذرة “الاتّحاديّين الجدد” في غفلة من التّاريخ.
إنّ أشدّ المتشائمين في الحقل السّيّاسي المغربي، لم يكن ليتنبّأ باليوم الّذي تتلطّخ فيه أيدي الاتّحاديّين بالمال العام، أو أن يتعطّل العقل الاتّحادي الّذي أبدع في “الاختيار الثّوري” و”التقرير الأيديولوجي” و “تقرير حول أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي” و”الأرضيّة السّيّاسيّة للمؤتمر السّادس” وهلمّ جرّا، أن يصل يوما إلى حضيض “انقل – ألصق” ويقامر بمستقبل الوطن من أجل دراهم معدودات. ولو بعث “أوفقير” من قبره، لم يكن ليتوقّع، أن تبتلع كلّ تنظيمات الحزب بدء من “المكتب الخمسيني” إلى أصغر فرع في دوّار نائي لسنانها عن فضيحة تستوجب الإقالة بعيون مغمضة.
ورم “الاتّحاديّين الجدد” بدأ رحلته من دواوين الوزراء. حين ذاق الشّباب “حلاوة” المال العام دون قيد أو شرط من التّنظيم الحزبي. كلّ وزير يختار “كتيبته” حسب هواه، ولا شيء يعلو فوق “المنصب مقابل الولاء”. غيّب التّنظيم الحزبيّ تماما من هذه المسألة. بل هناك من التحق بدواوين، وليس في جعبته حتّى الإجازة. ولكنّه ضليع في “التنوعير”. أو أنّ تخصّصه بعيد جدّا عن الوزارة الّتي التحق بها. وهذا الرّيع ما زال قائما إلى يوم النّاس هذا.
ورم “الاتّحاديّين الجدد” زحف على التّنظيم مع “مبادرة الانفتاح” الّتي أدّت إلى الانتفاخ. ولا شكّ أن المحافظين على ذاكرتهم التّنظيميّة، سيتذكّرون “عالم التّبويقة” الّذي تمّ تقديمه في مهرجان خطابي من طرف عضو مكتب سيّاسي بقوله: “إنّ حزب الاتّحاد الاشتراكي للقوّات الشّعبيّة يشرّف السّيّد…بترشيحه وكيلا للّائحة”، ليجيبه “عالم التّبويقة”: “بل أنا من يشرّف الاتّحاد بأن أترشّح باسمه”. هاته الكائنات ستأخذ مكان الشّرفاء شبرا شبرا بذريعة أنّ المقعد في الزمن الجديد يحتاج “المال” وليس “الثّقافة”. مرحى! لقد تسيّد الجهّل المثقّفين.
ورم “الاتّحاديّين الجدد” أينع حين فتح الشّيوخ نافذة السّفريّات في وجه المريدين، ودون ضوابط تنظيميّة تسري على الجميع. كلّما اقتربت من الشّيخ، واجتهدت في الدّفاع عنه، كلّما كان نصيبك من الرّيع أكبر. كلّ ما عليك فعله، هو تلميع اسمه في القاعدة، وهو سيتكفّل بالباقي. مرحى! ظهور المرتزقة.
ورم “الاتّحاديّين الجدد” صار مخيفا، حينما فتحت الصّحافة الحزبيّة في وجه الموالين، وأغلقت في كلّ من سوّلت له نفسه معارضة موكب الشّيخ. بل وامتدّ الحصار إلى وسائل الإعلام الوطنيّة، حتّى لا يعلو صوت فوق صوت الزّعيم.
الاتّحاديّون الجدد:
طالبوا الدّولة بأن تصبح ديمقراطيّة، بينما ذبحوا الدّيموقراطيّة من أجل أن يستمر وليّ نعمتهم في منصبه.
طالبوا الدّولة بتخليق الحياة السّيّاسيّة، بينما أغرقوا لوائح الاتّحاد بأسماء تفوح من رائحة المال…
طالبوا الدّولة بحماية المال العام جهرا، وأكلوه سحتا سرّا إلى أن فضحهم “الآخرون”.
طالبوا الدّولة بسنّ القوانين، فيما ظلّ القانون الأساسي والنظام الدّاخلي للحزب طيّ الكتمان.
طالبوا الدّولة بالوضوح، بينما ابتلعوا ألسنتهم سرّا وعلانية وكأنّ ما حدث مسألة تافهة.
ماذا لو نبشت صفقات مكاتب المحاماة؟ ماذا لو فتحت ملفّات تنظيم المؤتمرات والفعاليّات؟ ماذا لو أميط السّتار عن صفقات الطّباعة والاشهار؟ ماذا لو نشرت لوائح المستفيدين من ماليّة الحزب؟
المسألة اليوم أكبر من زعيم أحرق الحزب ووقف على رماده، بل تتعدّاه إلى بنية سرطانيّة صارت تتسوّل وتبتزّ الدّولة بتاريخ الحزب وتضحيّاته.
إن كان عصر الجدّيّة قد حان حقا، فيجب أن يكون العقاب شديدا، ويتمّ التخلّص من هذه البنية السّرطانيّة عن بكرة أبيها اليوم قبل الغد. فالّذي يقامر بمصير الوطن بالكذب والتّدليس، مكانه معروف، وقد سبقه إليه البعض. فاللّهم ألحقهم بهم “فهاد العواشر”.