أصبح ممتهنو جمع الحطب بالمناطق الجبلية يقضون يوما كاملا في البحث عن كومات من الحطب قد لا يتعدى مبلغها 40 إلى 80 درهم ، في حين كانت تتطلب منهم هذه المهمة ساعات قليلة قبل سنوات خلت ، فالرغبة الشديدة في حطب التدفئة وغلاؤه هذه الأيام بالأطلس المتوسط ، جعلا الكثير من الأسر تسخر أبناءها للبحث عن الحطب بالغابات المجاورة ، قصد مواجهة قسوة الظروف المناخية ، ولو على حساب دراستهم وأشغالهم اليومية الأخرى .
فانطلاقا من جماعة ناوور مرورا بجماعة تيزي نيسلي و عروجا إلى جماعة بوتفردة، ثم صعودا إلى جماعة أغبالة، يبدو جليا مدى قساوة الظروف الطبيعية و الاجتماعية التي تكابدها الساكنة في القيام بمهامهم بالمنطقة ، فلا الحديث عن الذهاب و الإياب تحت التساقطات الثلجية، سيكفي لطرح معاناة هذه الساكنة مع حلول موسم البرد تبدأ معاناة ساكنة المناطق الجبلية التابعة لإقليم بني ملال في تجميع الحطب من الغابات المجاورة و التي – حسب العديد من ساكنة هذه المناطق – بدأت تتقلص رقعتها نظرا لاستخدام أهالي الجبال، للخشب طيلة السنة في الطبخ و نحوه… بحيث تضاعفت أسعار حطب التدفئة عدة مرات في منطقة جبال الأطلس المغربية بسبب موجة الصقيع والثلوج التي تجتاح المنطقة في فصل الشتاء وأصبح قطع الأشجار بهدف الحصول على هذا الحطب يمثل تهديدا حقيقيا للغابات خاصة أشجار الأرز النادرة ، ورغم جهود السلطات والمنظمات المدافعة عن البيئة فإن قطع الأخشاب بات يهدد الغابات خاصة أشجار الأرز النادرة في المغرب .
نموذج من المعاناة
وأفادت مصادر من ساكنة إحدى المناطق الجبلية ل”المغرب 35″، أن هذه الأخيرة ” تعرف برودة الجو كل سنة منذ أواخر أكتوبر إلى أواخر مارس تقريبا وفق الظروف المناخية، لكن هناك عدة إشكاليات تحول دون التغلب عن هذا الوضع وتتجلى في تقلص رقعة الغابات المجاورة بسبب الحطب الجائر و عدم إمكانية استغناء الساكنة عن الحطب، نظرا لاستغلاله في ميادين عدة أهمها الطبخ و التدفئة إضافة إلى صعوبة ولوج المجال الغابوي و الأخطار التي تتخلله بفعل وجود حيوان الخنزير البري مثلا وكذا اصطدام الأهالي مع حراس الغابة و فرض غرامات مالية تصل أحيانا إلى 5000 درهم على كل من وجد عنده فأس يقطع به الأشجار داخل الغابة خصوصا إذا تعلق الأمر بالأغصان الخضراء … ” .
وأضاف آخر قائلا : ” الموظفون بدورهم يعانون حيث أنهم يشترون الحطب بأثمان تثقل كاهلهم وتصل تقريبا إلى 30 درهم لكل حمولة من الحطب ، هذا إذا تعلق الأمر بحمولة الحمار أما إذا تعلق الأمر بحمولة البغل فتتراوح بين 60 و 80 درهم للحمولة علما أن حمولة الحمار خلال أيام الطقس البارد تستهلكها الأسرة في أربعة أو خمسة أيام في أفضل الأحوال ، ناهيك عن بعض المداشر النائية التي يخزن البعض بها مؤونته خلال الصيف و بداية شهر شتنبر من كل سنة لكي لا يتكبد عناء التنقل إلى مراكز القرى و الأسواق الأسبوعية للتسوق و التبضع…خصوصا و أن 90 في المائة من الطرق و المسالك تنقطع بسبب الثلوج و الأوحال… ” .
مبادرة السلطات خففت من المعاناة
مصادر جمعوية ذكرت في حديثها للموقع بمبادرة السلطات تحسبا لموسم الشتاء وموجات البرد، المصحوبة غالبا بالتساقطات الثلجية التي تعرفها المناطق الجبلية خاصة في الأطلس، مع مشاكل التنقل التي يعاني منها السكان المحليون علاوة على قساوة المناخ والصعوبات المرتبطة بالتضاريس ، حصار الطبيعة في فصل الشتاء مازال جاثما على سكان أقاليم إفران وتاونات وخنيفرة وأزيلال وتارودانت وميدلت والحاجب وبولمان وصفرو والحاجب والرشيدية والحسيمة والشاون والحوز، في ظل عجز الجهات المعنية الواضح عن إنجاز مخطط ناجح كفيل بفك العزلة عن هذه المناطق وتشجيع السياحة الجبلية.
فاعل جمعوي يدق ناقوس الخطر
ومن جهته دق أحد الفاعلين الجمعويين بإحدى المناطق الجبلية ناقوس الخطر ، وقال في هذا الصدد: ” إن هناك ندرة في حطب التدفئة ، خاصة في المناطق التي توجد بها كثافة سكانية كبيرة ، مؤكدا أن أسباب ندرة حطب التدفئة تعود أساسا إلى “الضغط على المجال الغابوي خلال هذه الفترة من السنة ، حيث يزداد عدد ممتهني جمع الحطب ، ويرتفع استهلاكه في تدفئة منازلهم ، فضلا عن المراقبة الصارمة التي تفرضها إدارة المياه والغابات ” ، بحيث يتم استعمال الحطب في تدفئة المنازل الشيء الذي يؤدي إلى استنزاف موارد الغابة التي تتعرض لضغط “غير مسبوق ” أثناء فصل الشتاء .
فخلال السنوات القليلة الماضية، وأمام البحث عن موارد حطب التدفئة جعل العديد من الأهالي يتخصصون بكثرة في هذه “المهنة” الموسمية التي يكسبون من خلالها بعض العائدات ، كما أن شح الحطب كان له تأثير على المدة الزمنية لجمع هذه المادة الحيوية ، ذلك أن ممتهني جمع الحطب أصبحوا يقضون يوما كاملا في البحث عن كومات من الحطب قد لا يتعدى مبلغها 40 إلى 80 درهم ، في حين كانت تتطلب منهم هذه المهمة ساعات قليلة قبل سنوات خلت ، فالرغبة الشديدة في حطب التدفئة وغلاؤه جعلا الكثير من الأسر تسخر أبناءها للبحث عن الحطب بالغابات المجاورة ، قصد مواجهة قسوة الظروف المناخية ، ولو على حساب دراستهم وأشغالهم اليومية الأخرى .