الأضحية وأقنعتها.. في تهاوي “التضامن” و”تامغربيت” المفترى عليهما

جمال الديابي

هو في الأصل عنوان لدراسة أنتروبولوجية قام الباحث عبد الله حمودي منتصف ثمانينيات القرن الماضي حول “بيلموان” أو بوجلود كما يسمى في عدد من مناطق المغرب، بمسمى “الضحية وأقنعتها، بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب” لكني أستعير هذا العنوان الذي يصف ما يقع في المجتمع المغربي. مع إضافة الهمزة على كلمة “الضحية”.
ولسنين خلت سادت سردية تتحدث عن قيمة التضامن في المجتمع المغربي، والاحتفاء بهذه القيمة النادرة في العالم المعاصر، والتغني المتواصل بفرادة مجتمع كالمجتمع المغربي بقيمة التضامن، في محطات كثيرة آخرها حادثة سقوط “الطفل ريان” في البئر وزلزال الحوز. شهر أكتوبر المنصرم.

بل طفت على السطح أصوات تتحدث عن “تامغرابيت” بنبرة استثنائية مقارنة بمجتمعات أخرى قريبة وبعيدة جغرافيا وثقافيا، لدرجة الأسطرة ومحاولة إعادة تشكيل المخيال الاجتماعي على المقاس، بعيدا عن إكراهات الواقع وضرورياته التي لا يمكن القفز عليها..
ويبدو أن هذه الاسطوانة “التضامن، تامغرابيت” أصبحت اليوم مشروخة وأغنية رديئة، بفعل الواقع الذي يفرض نفسه، وصعود قيمة الأنانية والاحتكار وضرب قدرة الشرائية المنهكة للمواطن بمناسبة عيد الأضحى الذي كشف بالملموس أن “التضامن” مفترى عليه، وأنه صوري يبحث عن البوز والشهرة لا غير، أمام محك سعر الأضاحي المرتفع الذي ألهب جيوب المغاربة. وقطع الطريق على من يوصفون تجاوزا بـ”المؤثرين” المتاجرين بالمآسي وأخذ الصور معهم.

لم ولا وأثمنة الخرفان الصغيرة التي لم تكن تتعدى 700 أو 800 درهم أصبحت اليوم تتجاوز 2000درهم و3000 درهم وقس على ذلك ما تبقى من أثمنة تصدم الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، أمام تغول مالين الشكارة والشناقة والمضاربين وصعود منطق الربح بأية صورة كانت ولتذهب شعارات التضامن الى الجحيم..
الأضحية بهذا المعنى أزاحت الأقنعة على وجه المجتمع المغربي، وكشفت حقيقة ما يتوارى خلفها، من بحث عن المصلحة الخاصة والربح الصاروخي الذي لا يحترم أدنى شروط المنافسة بالمعنى الليبرالي للكلمة، وكشفت أيضا عن تهاوي قيمة التضامن الغناء، والتي صارت الى عهد قريب أنشودة الأنشاد ومن يقول غير ذلك يوصف بأقدح النعوت آخرها الجحود إن لم يكن “التخوين”..