جمال المحافظ..الصحافة ومونديال 2030
تتوالى في الآونة الأخيرة، اجتماعات لمسؤوليين حكوميين، تخصص لتدارس الإستعدادات الجارية لاحتضان المغرب رفقة اسبانيا والبرتغال، لنهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم سنة 2030، وذلك من خلال التركيز على التقدم الحاصل في مجالات البنية التحتية، والملاعب والإيواء والنقل، بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة ومراكش وأكادير وهي المدن المرشحة لاحتضان مباريات من هذه التظاهرة العالمية .
وإذا كان المشاركون في هذه الاجتماعات، يحثون على مضاعفة الجهود من أجل إنجاح تنظيم كأس العالم 2030 فإنه كان من المفيد ادراج ملف الصحافة الرياضية التي تعد بين الأدوات الرئيسة، في اطلاع الرأي العام الوطني والدولي، عن إحداث وما تقدمه من معطيات قبل وخلال المونديال وكذلك بعده وما توفره من مواكبة وردود أفعال حول نتائج هذه الموعد الرياضي العالمي الاستثنائي على كافة المستويات.
تحديات ورهانات
فالصحافة المتخصصة في مجال الرياضة التي أصبحت علما قائم الذات واستثمارا بالغ الأهمية، وتحظى بمكانة مرموقة، وتستأثر باهتمام الرأي العام، وهو ما يتطلب تحديث التصورات وتطوير الأداء المهني، وجعله يتلائم مع تحديات ورهانات مونديال 2030. غير أن الصحافة الرياضة تعانى من نظرة نمطية سلبية، غالبا ما يرصدها عدد من المختصين والمهنيين، وهيئاتهم التمثيلة آخرها كان النداء الذي وجهته الجمعية المغربية للصحافة الرياضية بمناسبة اليوم العالمي للصحافة الرياضية الذي يصادف الثالث من يونيو من كل سنة، اعتبرت فيه بالخصوص أن “المشهد الإعلامي الرياضي الوطني يجتاز واحدة من أدق وأصعب فتراته”.
وفي هذا الصدد، ترى ذات الجمعية، بأنه ” لذا بات لزاما القطع مع كل أشكال التسيب والاختراق والارتزاق والعبث بالأساسيات المهنية والأخلاقية التي يقوم عليها” الاعلام الرياضي، موضحة بأن هذه ” الاختراقات” تصيبه بالهشاشة وبالوهن، وأحدثت شرخا في الثقة التي تربط الرأي العام الرياضي والمؤسسات الوصية على قطاع الرياضة مع الإعلاميين بمختلف فئاتهم وتخصصاتهم”.
آفاق واسعة
لكن بدون وسائل إعلام، فلن تتمكن مختلف الأنواع الرياضية وفي مقدمتها كرة القدم، من اختراق الفضاءات ومعها الاستحواذ على القلوب، والمثال الحاضر في هذا السياق، مشاركة المنتخب الوطني المغربي في المونديال الأخير بقطر والذي تأهل لأول مرة لدور نصف نهاية هذه البطولة . فالتظاهرات الرياضية في العقد الأخير، فتحت آفاقا واسعة في عدة مجالات تتجاوز التنافس الرياضي لتنتقل الى ميادين الاستثمار الاقتصادي والتسويق التجاري والترويج السياحي، فضلا كونها تشكل فرصة سانحة للتعريف بتاريخ وحضارة وثقافة البلد الذي يحظى بشرف احتضان هذه الملتقيات العالمية.
وإذا كانت الصحافة الرياضية، تعرف على المستوى العالمي، تطورا متناميا، يفوق في كثير من الأحيان التخصصات الأخرى من صحافة سياسية واقتصادية وثقافية، فإنها ظلت – كما هو شأن الصحافة والاعلام بصفة عامة- في وضعية دون مستوى التطلعات والرهانات، مع مواصلة عجزها المزمن عن مجاراة ما بلغته بعض الرياضات خاصة منها كرة القدم.
وفي ظل النقص الحاصل في الأبحاث والدراسات العلمية حول الصحافة الرياضية وأدائها، فإن هذا التخصص الصحافي، رغم بعض المجهودات هنا وهناك- ظل يعاني من اختلالات ومشاكل مركبة، وحبيسة نظرة دونية، لصيقة به منها عدم الالتزام بقواعد أخلاقيات المهنة، وضعف التكوين والتأهيل.
فهذه العوامل، تجعل الصحافة الرياضية، قاصرة عن المواكبة الإعلامية الاحترافية، وتقديم الصورة المتكاملة، لما يحققه الرياضيون المغاربة من نتائج ايجابية، في بعض الأنواع الرياضية، في الوقت الذي تنجح نظيرتها الصحافة الدولية في بسط منتوج اعلامي، يستأثر باهتمام واسع من الجمهور. لذا أصبح من المفروض على الصحافة الرياضية المغربية، البحث عن السبل الكفيلة، التي تجعلها في مستوى اللحظات التي يصنعها الرياضيون المغاربة في التظاهرات الدولية، والتحضير لمونديال 2030 وقبلها بطولة افريقيا السنة المقبلة .
الاستهلاك الرياضي
و على صعيد آخر، ساهمت التكنولوجيات الحديثة، في توسيع قاعدة الإقبال الكبير على ” مواد الاستهلاك الرياضي ” في كافة بقاع العالم، وفتحت الباب واسعا لمنافسة محمومة ما بين وسائل الاعلام العالمية الكبرى التي أصبحت تسخر للرياضة، وخاصة كرة القدم، إمكانيات مالية مهمة وتوفر تجهيزات متطورة من أجل الفوز بالحقوق الحصرية لمنافسات الملتقيات والتظاهرات الرياضية الدولية.
وهكذا أضحى الاستثمار في التظاهرات الرياضية، يسيل لعاب كبريات الشركات التي تخصص لها استثمارات ضخمة، لضمان عائدات مالية ضخمة. فالصحافة الرياضية تعد في المرحلة الراهنة واحدة من أكثر التخصصات الصحافية متابعة، وتحولت الأخبار والمعلومات حول الرياضة والرياضيين، الأكثر متابعة واستئثارا باهتمام الرأي العام في مختلف الأصقاع.
فالإعلام الرياضي الذي يستمد إشعاعه وقوة انتشاره وتأثيره الكبير على المشهد الإعلامي العالمي، من كونية الأحداث الرياضية التي تنعقد بشكل متواتر، محققة في ذلك متابعة قياسية من قبل الجماهير، كما تسجل الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، التي دعت الى ” الحرص على تسييج مهنة الإعلام الرياضي وتحصينها ضد كل الاختراقات التي تستهدف المهنية والمصداقية في مقام أول، والاحتفاظ للإعلام الرياضي بتأثيره المباشر في الفعل الرياضي بكل القيم التي يحفل بها”.
حاضنات للتكوين
إلا أن أداء الصحافة الرياضية على المستوى الوطني، تظل حاليا دون المستوى المأمول، وما زالت رهينة نظرة سلبية ونمطية، علاوة على الضعف الذي يعاني منه المنتوج الإعلامي الرياضي، وتراجع منسوب المهنية، وأحيانا كثيرة عدم الإلتزام بأخلاقيات الصحافة، والنقص في التأطير والتكوين.
أما على مستوى المضامين، فإن الصحافة الرياضية تقتصر غالبا على الأخبار والتغطيات وتقديم نتائج المنافسات، وهي المهمة التي أصبح الجمهور يتوصل بها مباشرة، بفضل ما تتيحه التقنيات الحديثة، في الوقت الذي يتطلب الأمر الانشغال بالأجناس الصحفية الأخرى كالاستقصاء والتحقيق، والتحليل والبحث عن ما وراء الخبر الرياضي.
وإذا كانت هناك عدة رهانات وتحديات تواجه الصحافة الرياضية المغربية، فإن الاشكال لا يرتبط في حقيقة الأمر بهذا التخصص الصحافي فقط، بل بموقع الصحافة والصحفيين ووضعيتهما حاليا، بارتباط مع غياب سياسات عمومية في ميدان الإعلام واضحة المعالم، واعتماد استراتيجية متعددة الأبعاد في هذا الميدان، تقطع بشكل نهائي مع التعامل مع الصحافة الرياضية بشكل ظرفي ومناسباتي.
ومن بين الاقتراحات المطروحة، في أفق تنظيم مونديال المغرب واسبانيا والبرتغال، ” إحداث حاضنات أكاديمية لتكوين النخب الإعلامية الرياضية” ، التي سيكون عليها مواكبة الأحداث الرياضية الكبرى .. وفي طليعتها كأس إفريقيا للأمم سنة 2025 وكأس العالم 2030، كما جاء في ذات ندا ءالجمعية المغربية للصحافة الرياضية، التي دعت كذلك إلى ” ترتيب البيت من الداخل، حتى يفرز أجيالا صحفية شابة قادرة على رفع التحديات”.