محمد القاسمي..سيكولوجية المُواطن المغربي المقهُور .. !
هنالك الجانب النفسي للمواطن المغربي المقھور، والذي يُعد أھم عنصر يربطه بواقعه ومحيطه، فھذا القھر اليومي الذي يعاني منه تنتج عنه مجموعة من السلوكات التي يتصرف من خلالھا مع الآخرين، ذلك أن المغربي المقھور يتصرف بسلوك الرضوخ والاستسلام، فھو يسلم زمام أمره كرها للواقع المزري أو للسلطة، وذلك بعد أن يعتقد أنه لا مجال للكفاح فيستغل المتسلط هذا العرض ويحاول تنميته مستعملا لغة العنف والسياط وأساليب الاحتقار والاستصغار حتى يرى المقهور في نفسه مجرد آلة أو شيء مادي يقضي بها سيّده مآربه، ومن هنا ابتدأنا نفتقد شخصيتنا كمغاربة ، وصرنا نعيش بدون هوُية تحت الآلة القهرية التي أتعتب الجميع بالتَّمادي في عملها كطاحونة لا ترحم أحداً .
ھذا المواطن المقھور يتصرف بسلوك التسلط العكسي، على من هم أقل حيلة منه أو من هم تحت وصايته، فيجد فيهم متنفسا لإخراج الغل الّذي يكنه للسلطة الغالبة على أمره، فيبطش المتخلف بأبنائه وزوجته ومحيطه الضعيف، والمرأة هي أكبر متضرر من هذا التسلط العكسي لأنها قاعدة هذا الهرم التسلطي فمنذ ولادتها تأخذ فكرة دونيتها عن الرجل وتقتنع أنها تحت أمره المطلق وأنها أداة لخدمته وإشباع غريزته لا غير، فتنغرس هذه الفكرة فيها وتورثها بدورها إلى أبنائها وهكذا جيلا بعد جيل.
والشخص المقهور يكبت مشاعره وعواطفه ويجد صعوبة بالغة في التعبير عنها، بل وينكرها إنكارا أمام الناس حتى وإن كانت تحز في نفسه قھرا، هذا الكبث يجعل نفسية المقهور مضطربة غير سوية، وھذا المقھور تختل المنظومة الفكرية والعقلية عنده، فھو يميل للعشوائية في تدبير شؤونه ويعتمد على أساسات عقلية بدائية في التعاطي مع واقعه المعاش، أما الأفكار الجديدة التحضرية فيقف عقله عاجزا عن تقبلها أو حتى تحليلها.
ويلجأ المقهور إلى الخرافات والأساطير الموروثة في مجابهة الطبيعة المحيطة، ومحاولة إعطاء كل ظاهرة قاهرة تفسيرا ميتافيزيقيا بسيطا هروبا من الواقع ورضوخا له عوض مجابهته بالمناهج العلمية المضبوطة التي تمكنه من السيطرة على الظروف وجعلها لصالحه أو على الأقل دفع ضرها، هذا ما يجعل الإنسان المقهور تابعا لا متبوعا ومنصاعا للواقع وظروفه انصياعا تاما وهنا يترسخ لدى المقهور مفهوم الحتمية المطلقة والقدرية الجبرية فيسلّم نفسه للقدر مجبرا لا مخير.
كما أن المقهور يحتمي وھميا بالماضي المجيد وبطولات أسلافه فلا يتخذها عبرا وعظات فحسب بل يجعلها تعويضا لخيبات أمله وستارا يستر فشله، ومن هنا نفسّر تمسّك المقهور بالتقاليد الموروثة فهو يراها أمانة من أسلافه فلا يتركها حتى وإن أدرك أنه لا أصل لها في الدين وأنها تعيقه في مسيرة تطوره، ويحاول المواطن المغربي المقھور دفع عقدة العار، فيتشبث بالكرامة والعزة كشعار ثابت ويرددها كمصطلحات ومفردات برأس مرفوع في محاولة منه لإثبات نفسه وإعطاءها مكانا من معادلة الواقع، من أجل ترقيع لشرخ القهر في نفسيته، والمرأة في المجتمع المتخلف هي أكبر مصدر للعار وأول منبع لسقوط الشرف، فتخسر المرأة دورها كمربية وسندا للرجل ولبنة في مجتمعها لمجرد انتشار هذه الفكرة التي يعارضها الإسلام ويرفضها.
والمغربي المقھور تلازمه عقدة النقص، وهو أمر ناتج عن الاضطهاد بصفة عامة، و عصارة الاحتقار والاستصغار من المتسلط فيرى المقهور نفسه أقل كفاءة من غيره بل يرى في نفسه عالة على مجتمعه ومحيطه، فيهبط بنفسه إلى تحت الإنسانية فيصير في نظر نفسه مجرد كائن حي فارغ المشاعر والعواطف. والإنسان المغربي المقهور يكبت مشاعره وعواطفه ويجد صعوبة بالغة في التعبير عنها، بل وينكرها إنكارا أمام الناس حتى وإن كانت تعتري في نفسه بقوة، هذا الكبث يجعل نفسية المقهور مضطربة غير سوية، فيصعب على الشاب المغربي مثلا أن يصارح أباه بحبه له ويشعر بالخجل غير المبرر رغم أنه أقرب الناس إليه.
ويعاني كذلك المواطن المغربي المقھور من نظرة الناس والمجتمع، حيث يخشى المقهور كثيرا من نظرة مجتمعه إليه وإلى تصرفاته حتى وإن كانت تصرفات عادية لا تخل بالذوق العام، فهو يخشى من كلام الناس وانتقاداتهم ويسبب له هذا عائقا أمام تحقيق أهدافه وبناء حياته، فمع كل خطوة يخطوها ينظر إلى جمهرة الناس وينتظر ردة فعلهم، فإن كانت الرضا أكمل سبيله حتى وإن لم يكن مقتنعا بالسبيل، ويتوقف في بداية الطريق إذا رأى السخط من العامة حتى وإن كان يؤمن بذلك السبيل، فيعيق هذا دينامية المجتمع فيصبح الناس بين حارس ومحروس.
ويبقى السؤال : من سينقذ المواطن المغربي المقهور من هذا الوضع الكارثي والمشكل البنيوي الذي ينذر بمستقبل مجهول يخيف العام والخاص ويغرقنا في مأزق الاحتمالات والسيناريوهات التي لا نريد تَصَوُّرها ولو في الأحلام أو معاينة مشاهد مماثلة استسلمت للفوضى في العديد من البُلدان؟! ، أيُّ عهدٍ هذا الذي سيتجاوز هذا الخلل من الجِدر ، هل لأصحاب القرار رأي في هذا الأمر، أم لا زلنا نواجه إكراهات كل مرحلة بحلول ترقيعية آنية، يبدو لي المشكل أعمق مما تتصوره الأحزاب وتَقدُر عليه ، المسألة تحتاج لإرادة سيادية وليست سياسية لأن وبكل اختصار : (فاقد الشيء لا يعطيه) ، وأبانت التجربة بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ أن المجتمع مريض ويحتاج لعلاجٍ للمرض ، واستئصال للداء من مكانه الحقيقي ، ولم يعد المجتمع المغربي المقهور قادر على الاستمرار في تناول المهدئات …؟!