59
محمد القاسمي: العقلية الإقصائية وآفة إلغاء الآخر ..!
لابن خلدون قولة رائعة مفادھا أن الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها، وهي نظرية تناقض ما يعتقد به الكثيرون، بأن الشعوب تثور وتنتفض بعد أن تضيق عليها الحريات وتشعر بالتهميش والإقصاء، وأن الشعب الذي لا يجد أشياء كبيرة يمجدها هو الذي تُخترع له الألفاظ الكبيرة ليلتهي بها …
لهذا نجد أن منح الشعوب قدرا كبيرا من الحرية الاجتماعية كفيل بغسل الأدمغة وتفريغها من أصلها ،وبالتالي فإن الأمم التي تكف عن الشكوى تكف عن التفكير كما قال نابليون بونابرت. فنصف قرن من الاستنزاف والتهميش وحتى يومنا هذا نعيش آفة إلغاء الآخر أو إقصائه، والعقلية الإقصائية هي آفة المجتمع التعددي وخطرها عليه أشد فتكا من الخطر الخارجي، وتربية بعض سياسيينا انبنت على كره الآخر .
فالثقافة الاقصائية نوع من التفكير الشخصي الذي يتم من خلاله تشويه صورة الآخر بقصد إقصائه اأو تهميشه، صاحب العقلية الاقصائية يحاول التقليل من شأن الأشخاص الذين لا تتطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره، والذين لديهم أراء ومواقف تختلف مع أرائه ومواقفه، وما صرنا نتَلمَّسُه في كل الوسائل التي تمتلكها بعض الجهات… لإطمار الآخر المخالف بفكر يخدم الدولة … !
ثقافة الإقصاء والتهميش مناقضة لطبيعة الحياة التعددية وتصطدم مع الطبيعة النسبية للحقيقة، فالحقيقة المطلقة نوع من الكمال الذي لا يمكن، بل يستحيل، ان يوجد في هذا الكون الناقص بطبعه. وكل انسان يرى انه على حق من وجهة نظره، وهذا ليس عيبا او نقيصة طالما هو يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترام وجهات نظرهم، فهذا الكون يتسع لهذا الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر.
وبالرغم من التطور الفكري والعلمي الذي شهدته البشرية، والثورة المعلوماتية الهائلة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وتطور وسائل الإعلام في مختلف المجالات، لا زالت ثقافة الاقصاء والتهميش التي تعني إبعاد الأخر وتجاهله، وعدم النظر إليه مهما كانت صحة مواقفه وصدق أقواله، سائدة في المجتمع المغربي، وتمارس من دون رادع ديني او أخلاقي، وقد يصل الأمر إلى اتهام الآخر وحتى تخوينه بهدف إسقاطه. وهذه الثقافة يمارسها الكثير من البشر والقوى السياسية وبشتى الوسائل ومن مختلف الشرائح الاجتماعية في مختلف مجالات الحياة. و يرجع سبب ذلك إلى غياب الوعي السياسي وتدهور الأخلاق والثقافة.
فالإنسان الإقصائي هو شخص أحادي التفكير، ينظر الى العالم من حوله بمنظور اما اسود او ابيض، ويعتقد دائما انه على صواب والاخرين على خطأ، واما ان تكون معي او أنك ضدي. وإذا رفض الاخرون الانصياع لتفكيره الضيق، يعمل بكل الوسائل المتاحة له –شرعية وغير شرعية – على محاولة إقصائهم، وذلك بالتشكيك في نواياهم والتقليل من شأنهم كبشر احرار ومستقلون.
والعقلية الاقصائية وخاصة لاؤلئك الذين يتبوأون مناصب حساسه ومهمة تعد مرض اجتماعي وهذا يصيب بعض الأشخاص بالتطبع او التربية والتوجيه العائلي، وذلك عبر تلقينهم في سن مبكرة معلومات سلبية حول من هم مختلفون عنهم دينيا او مذهبيا او ثقافيا او عرقيا، لكن الأكيد أن التاريخ كثيرا ما كان منصفا