الحسين اليماني: الماء والحياة
بموجب الفصل 31 من دستور المملكة المغربية ، فإن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في :…الحصول على الماء…، وهو ما يوضح بجلاء، الأهمية التي أولاها المشرع للحق في الماء والتنصيص عليه في الدستور، باعتباره القانون الذي يسمو على كل القوانين الأخرى. إلا أن تحقيق هذا الحق، في الظروف الصعبة التي يمر منها المغرب، يبدو صعب المنال، ويتطلب تعبئة استثنائية ومقاربة جديدة، تقطع مع المألوف في الاعتماد على المطر وتأجيل وضع المقاربة المبنية على اعتبار المطر تكميليا في المعادلة المائية وليس أساسيا.
ورغم كثرة الحديث عن نذرة المياه والتهديد الجدي، بخطر الانقطاعات وانعدام الماء في البيوت، بعد أن انعدم في الحقول والمراعي وقضي على أسباب العيش والكسب للفلاحين الصغار ولسكان البوادي، فإن معظم القائمين على شؤون البلد، لا يتناولون الموضوع بالجدية المطلوبة، ومستمرون في نفس الأساليب في التعاطي مع الذهب الأزرق ، واعتباره أمرا موكولا للسماء لتجود به متى شاءت، حتى ولو أن ماءنا أصبح غورا.
إن التراجع الرهيب في حجم التساقطات وما نتج عنه، من نضوب السدود وموت العيون ووكح الابار وانهيار الإنتاج الفلاحي والحيواني وبلوغ أسعار الخضر والفواكه واللحوم، لم يشهد لها المغرب مثيلا، إلا في زمن الحديث المزعوم عن الدولة الاجتماعية، واحتراق أشجار الزيتون في بعض المناطق، والتي يفوق عمرها خمسة عقود، كلها مؤشرات مرعبة ومخيفة، تدفعنا لإعلان حالة الاستنفار القصوى ، بغاية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ورسم ما يقتضيه الموقف، من قرارات حاسمة، تروم المحافظة على الحق في الحياة وتوفير أسباب الكسب والعيش، والحد من الهجرة والإخلاء للمناطق الداخلية والجبلية والحدودية.
وإن كان عاهل البلاد ، تحدث وذكر بالوضوح والصراحة اللازمة في خطاب العرش، على أهمية تظافر جهود كل المغاربة بقصد مواجهة الإجهاد المائي، الذي دخله المغرب، فإن معالجة الخصاص المائي، يمكن مباشرته، من خلال محور الزيادة في الإنتاج ومحور الاقتصاد في الاستهلاك ومحور الإطار القانوني.
1/ الزيادة في الإنتاج:
بناء على التحولات المناخية وتوالي سنوات الجفاف، في مقابل ارتفاع الطلب على الماء، في الاستعمالات المنزلية والفلاحية والصناعية، فإن استمرار الاعتماد على المطر، يعتبر مغامرة واضحة بالأمن المائي للمغرب، ولذلك يتوجب، العمل على الزيادة في الإنتاج ، ليس بغاية الجواب على الطلب فقط، وإنما من أجل الرفع من الاحتياطات للأجيال القادمة، وهو الأمر الذي يستوجب:
1_1 : بناء محطات تحلية مياه البحر على المحيط الأطلسي والأبيض المتوسط، بالاعتماد على التكنولوجيات المقتصدة لاستهلاك الطاقات وتفادي الاثار الجانبية على الوسط البحري.
2-1 : بناء السدود الجديدة وصيانة السدود القديمة، لتجميع مياه الأمطار وتحقيق هدف الصفرية من وصول مياه المطر إلى البحر.
3-1 : معالجة كل المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء في المدن والحواضر، مع إمكانية الاستعمال حتى للأغراض المنزلية والصناعية.
4-1 : استغلال المخزونات المائية المرتفعة الملوحة،من خلال معالجتها وجعلها قابلة الاستعمال والانتفاع بها.
2/ الاقتصاد في الاستهلاك:
رغم كل محاولات التحسيس والدعوة للمحافظة على الثروة المائية وعدم تبديرها، إلا أنه يبدو بأن معظم المغاربة وخصوصا جيل ما بعد الاستقلال، ألف الإفراط في استهلاك الماء ولا يستسيغ حتى الحديث عن أزمة الماء في المغرب وبالأحرى تقبل الكلام عن خطر انقطاع الماء وغيابه في المنازل للاستعمالات المتعددة. وتفاديا لوصول حالة النضوب التام للمياه السطحية والجوفية، وما سيترتب عنها من تهديد السلم الاجتماعي وللحق في الحياة، فلا بد من التوجه وبالجدية والمسؤولية المطلوبة ، للحد من التبدير والاقتصاد في استهلاك الماء، من خلال :
2-1 منع الزراعات ذات الطلب المرتفع على الماء والموجهة للتصدير، وإعطاء الأولوية للزراعات المطلوبة لضمان الاكتفاء الذاتي للمغرب وأساسا من الخضر والفواكه وتوفير الكلأ للماشية والدواب في العالم القروي.
2-2 التشديد في منح الرخص لحفر الابار واستغلال مياه الأنهار والعيون، إلا في الحالات المبررة بالضرورة القصوى.
2-3 حمل الشركات الصناعية الكبرى على اللجوء للانتاج الذاتي لحاجياتها بتحلية المياه وعدم استعمال المياه المخصصة للشرب.
2-4 مراجعة تعرفة الماء والزيادة فيها بالنسبة للشطر غير الاجتماعي وفرض الأداء على استخراج المياه من الآبار.
2-5 توجيه مياه البحر لسكان السواحل ومياه السدود والعيون والابار لسكان الداخل، والرفع من إنتاج المياه من البحر ، لتغطية الحاجيات المنزلية والصناعية وتطوير الزراعات بالسواحل ومحيطها.
3/ الإطار القانوني:
تماشيا مع المكانة التي خصها الدستور لقضية الماء، واعتباره من حقوق المواطنات والمواطنين ، واعتبار لأهمية الماء في المعيش اليومي وفي الدورة الاقتصادية للبلاد وارتباطه الوثيق بشروط استمرار الحياة ، فلا بد من تأهيل وتجميع وتحيين القوانين ذات الصلة بالماء، حتى يتماشى الإطار القانوني مع متطلبات المرحلة، من خلال:
3-1 : تجميع كل القوانين المرتبطة بالماء، في إطار مدونة جامعة (مدونة الماء) ، تشمل كل القواعد القانونية، بغاية اعتبار الماء كثروة وطنية وملك مشترك لكل المغاربة، لا يجوز تبديرها ولا التعسف في استهلاكها ، مع وضع الإجراءات القمينة، لحسن استعمالها والمحافظة عليها.
3-2 : تفويض تدبير القضية المائية لهيأة خاصة، من قبيل الوكالة الوطنية للماء، حيث يوكل اليها، رسم برامج ومخططات طويلة ومتوسطة الأمد، تروم توفير الحاجيات الأساسية للبلاد من الماء، على قاعدة تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الماء للجميع وتثبيت السكان في مناطقهم والحد من ظاهرة الهجرة بسبب قلة أو انعدام الماء.
3-3: تطوير وتجويد التشريعات المائية، حتى تتناسب مع وضعية الجفاف البنيوي وتقطع مع عهد تشتت القوانين وتعدد المتدخلين، وتفتح المجال لعهد جديد من المقاربة الشمولية والحديثة لقضية الماء.
إن كان الماء هو أصل الحياة ومحور التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن بلادنا، وبقدر ما تواجه التحديات في تعزيز الأمن المائي وامتلاك مفاتيح صناعات وإنتاج الماء، في ظل توالي سنوات الجفاف والرهان غير المحسوب على الفلاحة التصديرية، فهي مطالبة كذلك بتعزيز الأمن الطاقي وتخفيض كلفة الطاقة، بتنويع المزيج الطاقي ، من الطاقات البترولية والريحية و الهوائية والنووية وغيرها من الطاقات المستحدثة عبر تطور التكنولوجيا وطرق الإنتاج.