بقلم: زهير أصدور
رغم ما راكمته المرأة المغربية من مكتسبات في العقود الأخيرة، لا تزال بعض المجالات تحتفظ بجدران غير مرئية تعرقل وصول النساء إلى مراكز القرار. من أبرز هذه المفارقات: أن المغرب عرف نساء على رأس جامعات رياضية منذ الاستقلال، في حين لم تُنتخب أي امرأة لمنصب نقيب هيئة من هيئات المحامين منذ سنة 1959، رغم وجود سابقة نسائية تاريخية.
فبعد الاستقلال، تم انتخاب الأستاذة مادلين بونس كنقيبة لهيئة المحامين بالرباط خلال الفترة (1957–1959)، لتكون أول وآخر امرأة تتقلد هذا المنصب الرفيع في المشهد المهني المغربي. ومنذ ذلك الحين، وعلى امتداد أكثر من ستة عقود، لم تستطع أي محامية أن تعبر هذا الحاجز، على الرغم من تزايد عددهن وتوسع حضورهن المهني والحقوقي.
في المقابل، وعلى مستوى الجامعات الرياضية، استطاعت نساء أن يحققن اختراقًا في مجال كان يعتبر لفترة طويلة حكرًا على الرجال، من بينهن بشرى حجيج ونزهة بدوان، اللتان تبوأتا رئاسة جامعتين رياضيتين وطنيتين. ورغم محدودية عددهن، إلا أن حضور النساء في هذا المجال يمثل مكسبًا ينبغي البناء عليه وتوسيعه.
المفارقة هنا لا تقتصر فقط على التفاوت العددي، بل تتعمق عندما ننظر إلى طبيعة كل قطاع. فرئاسة جامعة رياضية تمر عبر انتخابات داخلية وتتطلب دعما من مكونات تقنية ورياضية واسعة، بينما نقيب هيئة المحامين يُنتخب من طرف زملائه وزميلاته في المهنة، داخل فضاء يُفترض فيه احترام قيم العدالة والكرامة وتكافؤ الفرص.
إن استمرار غياب المرأة عن قيادة هيئات المحامين في المغرب يُعدّ مؤشرًا على خلل بنيوي، يعكس هيمنة تصور تقليدي للأدوار داخل الجسم المهني، كما يعكس ضعفًا في الإرادة الجماعية لإحداث تحول عميق في مراكز القيادة داخل هذه الهيئات. هذا الغياب لا يُعزى فقط إلى الثقافة الذكورية السائدة، بل أيضًا إلى غياب مبادرات جريئة داخل الإطارات النقابية والهيئات الحقوقية لفرض التمييز الإيجابي كأداة مرحلية لكسر هذا الجمود.
مقارنة بدول أخرى، يبدو أن المغرب متأخر نسبيًا في هذا الباب. ففي فرنسا وإسبانيا مثلًا، شغلت نساء مرموقات منصب نقيب المحامين في باريس ومدريد ومدن كبرى.
أمام هذا الواقع، لا بد من إعادة طرح سؤال المساواة من داخل الهيئات المهنية، وليس فقط عبر القوانين أو الخطابات العمومية. متى ستكسر المحاميات المغربيات حاجز التمثيلية في منصب النقيب مرة أخرى؟ ومتى ستعيد الهيئات المهنية الاعتبار للمرأة كفاعل قيادي مؤهل للمشاركة في صناعة القرار المهني؟
المطلوب اليوم ليس فقط التنديد بالوضع القائم، بل إطلاق نقاش وطني ومهني جاد، تشارك فيه الهيئات، والنقابات، ومؤسسات التكوين، من أجل إعادة النظر في آليات الترشيح والانتخاب، وتوفير شروط موضوعية داعمة لترشح النساء، سواء عبر تخصيص حصة مرحلية، أو عبر دعم القيادات النسائية مهنيا ونقابيا.
إن تمكين النساء من مراكز القرار داخل الهيئات المهنية ليس مجاملة، بل التزام دستوري وحقوقي يعزز مصداقية المؤسسات، ويرفع من منسوب الثقة فيها، ويقوي من تمثيليتها المجتمعية.