السبت 24 ماي 2025

وفق منظور سوسيولوجي .. هدم المنازل بشكل سلطوي في أحياء تاريخية اجتثاث اجتماعي وثقافي وهوياتي

 

عرفت مختلف المدن في المملكة خلال الفترة الأخيرة، حملة واسعة لهدم دور الصفيح والمنازل العشوائية أو التي في وضعية قانونية سليمة وفق مقاربة أحادية من قبل السلطات، دون الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والثقافية والديمغرافية، ودون مراعات حق الساكنة في البقاء في الفضاء والمكان الذي عاشت فيه لفترة طويلة من الزمن، أي منذ فجر الاستقلال وقبله.
هذه المقاربة التي تنهجها السلطات في ترحيل السكان الأصليين، من بعض المناطق والأحياء السكنية داخل المدن الحضرية، أو في المناطق النائية والقرى بسبب مشاريع خاصة، أو إحداث مقالع لاستخراج بعض المعادن، تطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل هذه المناطق التي يتم إخلاءها من السكان، وإفراغ المدن من سكانها لتحويلها إلى مدن سياحية أو اقتصادية ذات جاذبية للأجانب والمستثمرين على حساب النسيج الاجتماعي والنمو السكاني والحفاظ على التراث اللامادي.

في هذا السياق يرى خالد النبلسي باحث في سوسيولوجيا البيئة، أن هدم المنازل بشكل سلطوي في أحياء تاريخية بالرباط، وطرد الأسر سواء كانت مالكة أو مكترية، هو محض اجتثاث اجتماعي وثقافي وهوياتي، يهدف هذا إلى استبدال البنية الاجتماعية الحالية بمجتمع هجين من أصحاب الأموال والثقافات البورجوازية، مما يلغي التراكمات الاجتماعية والثقافية التي تشكلت عبر الأجيال. إن بناء مجتمع محلي بثقافات متداخلة ليس بالأمر السهل.
وتأسف الباحث السوسيولوجي لاستئصال أحياء مهمة في الرباط، والتي تراكمت فيها الخبرات ليس أقلها علاقتها مع البحر ومحاذاتها له. وحتى لو تلبية كل مطالبات المتضررين بالتعويضات المادية، فإن السكان سيتم تشتيتهم وإجلاؤهم خارج المدينة، كما لو أنهم لم يكونوا يومًا جزءًا أساسيا من ديناميتها السوسيو-ثقافية أو السياسية حتى. فأي معنى لهوية مدينة الرباط بدون أحياء المحيط ويعقوب المنصور وغيرها من الدوائر التي تركت بصمتها على محطات من تاريخ المدينة من حيث الهندسة والثقافة والرياضة والفن والاقتصاد والسياسة.
وتابع أنه لا يمكن اجتزاء أي جزء من تاريخ الرباط. وحتى بعد الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والحروب والدمار والمجاعات وغيرها، فالمدينة دائمًا ما تعيد بناء نفسها بعد هذه الأحداث وفقا للوفاء للقيم والأجداد مع التحديث اللازم.
وتساءل الباحث “هل يربط مدبرو المرحلة الحالية بهذا الإرث وبهذا النهج أي صلة؟ إذا استأصلنا الجزء البحري وحتى كل المناطق الشعبية من الرباط، واستبدلناها بلاس فيغاس أو دبي ومشاريعها، فهل سيكون ذلك إنجازا يضعنا في مقدمة الأمم؟ لعل تاريخ الرباط سيجيبنا عن ذلك.”.
بالرغم من معارضة بعض الحقوقيين والنشطاء الجمعويين لعملية الهدم، التي تقوم بها السلطات في الرباط والدار البيضاء بهدم مجموعة من الأحياء والمنازل وترحيل السكان، إلا ان هذا الترحيل الجماعي وتغيير البنية السكنية مستقبلا للمدن، سيطرح إشكالية كبيرة داخل المجتمع لاسيما اذا تحولت هذه الأحياء القديمة الى ناطحات سحاب أو عمارات راقية ستجلب معها الأجانب من جنسيات أخرى مما سيكون له تأثير كبير على البنية الاجتماعية للمدن الكبرى وتغيير كبير في التركيبة الديمغرافية للسكان، وأيضا على مستوى الانتخابات والمنتخبين وتغيير في بنية المجالس وممثليها مستقبلا.

موقع إخباري شامل يعتمد رؤية النموذج التنموي الجديد للمغرب في أفق سنة 2035، كمادة أساسية للمتابعة والإخبار وتعزيز النقاش.

عن المغرب 35

جميع الحقوق محفوظة لموقع المغرب 35 © 2025

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقبل اقرأ المزيد

تم اكتشاف الإعلانات محظورة

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل ملحق الإعلانات المحظورة الخاص بك من متصفحاتك لموقعنا على الويب.