مصطفى المنوزي: الحركة التقدمية وأسئلة البعد الإجتماعي في الهويات الحزبية

(من وحي الإرتباك الجاري في المشهد السياسي والإجتماعي)

لا يمكن الحديث عن اليسار ( مكوناته المثابرة وجوديا ) ومده التقدمي دون تقييم إستراتيجيته في العلاقة مع الأبعاد الإجتماعية في برامجها وهويتها الحزبية ، و قد لوحظ تركيز الأحزاب الوطنية والديمقراطية على الحقوق السياسية والمدنية بدليل اهتمامها ، في عروضها السياسية ومذكراتها المقدمة إلى الدولة ، بالإصلاح الدستوري والسياسي والتشريعي والمؤسستي ، في حين تم إهمال المسألة الإجتماعية أو تركها بتفويضها للهيئات الإجتماعية والنقابية والجمعوية / المدنية بدعوى أنها من صلب العمل الجماهيري.

والحال أن القضايا الإجتماعية تعد جسرا مباشرا للتواصل والإحتكاك بالجماهير الشعبية ووسيلة لتعبئة الفئات الهشة والكادحة المتضررة في مجالات الصحة والشغل والتعليم ، وهي قطاعات حساسة ومرتبطة بالحق في حياة كريمة ، وقد دون التاريخ وقائع الأزمات الإجتماعية وما نتج عنها من توترات وإحتقانات وانتفاضات إجتماعية في المجال الحضري وكذا القروي ، وإنفلاتات أمنية وانتهاكات جسيمة وغيرها لحقوق الإنسان .

وإن الدولة تعاملت مع هذه العواقب بمقاربة أمنية باعتبارها تنتمي في نظر مهندسيها الأمنيين إلى لحظة “” اللايقين “” المخيفة ؛ في حين كانت بالنسبة لبعض الأحزاب لحظة لبناء تسويات باعتبار الحالة النضالية ورقة للضغط توفرها الحركات العفوية أو المؤطرة ” بمقتضى الأحزمة النقابية التابعة .

ويبدو أن مكاسب كثيرة تحققت لكنها تظل جزئية باانظر إلى المقابل الذي فرضه ” التعاقد حول السلم الإجتماعي” الممهد لمرحلة التناوب التوافقي ومانتج عنه من ” تنازلات متبادلة ” كان ثمنها إصلاحات غير جوهرية غير مقنعة توجت بتعديل للفصل 13 من الدستور والذي عوض بالفصل 31 منستور2011 الذي سحب الضمان للحقوق الإجتماعية بعد مضمونة في دستور 1996 ، فإلتزام الدولة والمؤسسات الدستورية والعمومية صار مجرد إلتزام بالسعي وبذل عناية بعد أن كان مضمونا لكون الإلتزام بتحقيق نتيجة مدسترا .

إنه بالنظر إلى الفاعلين في المشهد السياسي بمناسبة الدخول الإجتماعي يبدو بأن المبادرات العفوية ( موجهة طبعا و ليست مرتجلة بالمطلق ) لن تكون ناجعة في ظل تضخم جدول الأعمال الوطني ، في ظل تراخي وشتات الفعل الحزبي . إنها أزمة سوء تنسيق الإختلاف وتدبير التعددية المقارباتية .

ولقد دأبت الأحزاب والفعاليات السياسية على المناداة بالمزايدة بتحقيق وحدة تنظيمية ، والحال أن المطلوب هو إنجاز وحدة نضالية على أساس الحد الأدنى ، كتمرين سياسي وديمقراطي على تدبير المشترك ، ولعل المسألة الإجتماعية ( والثقافية حتى أي المرتبطة بالمنظومة التربوية وتفرعاتها من أسرة ومدرسة ووقت حر ) تعد مدخلا للنقاش الحزبي التقدمي ، ولعل البداية تكون من سؤال تحديث آليات دمقرطة الحوار حول التضامن الإجتماعي وربطها بالمسؤولية الإجتماعية ؛ يوازيه نضال إجتماعي وإقتصادي يؤهل العمل النقابي ويطور وسائل التفعيل ، وتتوج الديناميات ببلورة خلاصات تدشين مشروع مجتمعي غايته بناء الدولة الإجتماعية ! فلنفكر جميعا في صيغة للتناظر !

مصطفى المنوزي* :رئيس المختبر المدني للعدالة الإجتماعية