بقلم سعيد بنيس.. النساء المعيلات لأسرهن

هناك تطور في وضعية المرأة داخل المجتمع المغربي، لا سيما أنها تمكنت من اقتحام مواقع عديدة ومختلفة داخل الدينامية المجتمعية، استطاعت من خلالها شغل عدة مهن كانت حكرا على الرجل، من قبيل مهن السياقة والسلطة والشرطة، وهي مهن تدخل في إطار القطاع المنظم. كما عمدت المرأة المغربية، كذلك، إلى التعاطي مع مهن أخرى تنتمي للقطاع غير المنظم من قبيل حراسة السيارات وبيع الخبز وبيع السجائر بالتقسيط وتنظيف مراحيض المقاهي..

فإذا كانت المهن الأولى تحيل على صفات اعتبارية وحظوة داخل المجتمع، فالنوع الثاني يحيل على مهن تلتصق بها تمثلات سلبية تمس بصورة المرأة ويمكن توصيفها بكونها “مهن البؤس”.

في مقابل هذا التطور، أفضى التحول على مستوى بنية الأسرة المغربية على ضوء الانتقال من الأسرة المركبة والممتدة إلى الأسرة النووية وتداخل الوظائف على المستوى الرمزي مثل تربية الأطفال وتعليمهم، والمستوى المادي أي المساهمة في ميزانية الأسرة وتدبير الشؤون اليومية إلى مؤسسة زواج بمنطق أضحى مرتكزا على تخطيط للأدوار بين الرجل والمرأة، بل وتقاسمها من خلال شراكة ثنائية في التدبير والتهيئة لشؤون الأسرة. يعد هذا المنطق والاستراتيجية أحد الأسباب التي نتج عنها ارتفاع نسبة النساء المعيلات للأسر لا سيما أن هناك أسبابا اقتصادية تحيل مباشرة على بطالة الزوج أو فقدانه لعمله، وأسبابا اجتماعية تهم الطلاق ووضعية الأرامل وتنصل الزوج من المسؤولية المادية.

من هذه الزاوية يمكن اعتبار أن الأسباب الاقتصادية تعد نتيجة مباشرة للالتزام المادي الذي تضطلع به المرأة المغربية تجاه الزوج والأبناء لتشبثها بمؤسسة الزواج كحاضن اجتماعي لعلاقة المرأة بالرجل، أما الأسباب الاجتماعية فتشكل قطيعة أو استقالة الزوج من مؤسسة الزواج التي لا تحترم فيها الأدوار ولا تنبني على التعاون والتدبير المشترك لشؤون الأسرة لتصبح فيها المرأة المعيل الوحيد للعائلة.

وإذا استطاعت المرأة في هذه الحالات أن تصبح المعيل الرئيسي والمساهم الاقتصادي الوحيد في تدبير شؤون الأسرة، فإن هذه الوضعية قد تنطوي على سلبيات محتملة، يمكن تلخيصها في تأثير وتيرة العمل على الحياة الأسرية للمرأة وتدقيقا تجاه أبنائها، لا سيما مع عدم تواجدها بجانبهم في بعض الفترات العمرية الحرجة، وكذلك على حياتها الخاصة، على اعتبار أنها تضحي بتطلعاتها الشخصية في سبيل تربية ومواكبة أبنائها، مما يؤدي بها إلى نهج سلوك اجتماعي ينتج عنه تحييد الحمولة العاطفية والإحساس بالذات وتغييب المشاريع الفردية لتعارضها أو عدم انسجامها مع واجب والتزام معيلة الأسرة.

فالمرأة في هذه الوضعية تضيف إلى دورها كامرأة وأم دور الرجل، وكل ذلك على حساب حالتها الصحية وكبح طموحاتها الفردية، فهي تركز على تحقيق مشاريع أبنائها، فتصير فردا مجتمعيا لا يتمتع بشخصية مستقلة بل ترهن وجودها ومساهمتها وفاعليتها في المجتمع بدورها في إعالة أسرتها مما يمكن معه استشراف ظهور فئة نسائية جديدة يتوجب على القطاعات المعنية والوزارات المكلفة ومنظمات المجتمع المدني تشخيص وضعيتها ورصد تطورها وضبط ملامح مستقبلها للعمل على إدماجها في المجتمع وتلبية مطالبها.