أحب وطني  و أبناء هذا الوطن الذي تتوجهه جبال الأطلس  و الريف،  و تسكنه  و تسكنهم روح التعدد  و الوحدة  و يغنيهم قبول الإختلاف  الجغرافي  و الثقافي  و الديني و يزيدهم تآزرا كل من حاول الاعتداء على بيتهم المتسع لأربعين مليون  و لضيوفهم أبناء قارتهم أفريقيا و باقي القارات.  نحن قوم لا نخفي الإختلاف  و لكننا نعلن كل مشاكلنا  و نتصارع لحلها و لا نريد أن يتم حل الخلاف بقوة موقف أو بضعف مكون  من مكونات الجسم المغربي.

و أنا في قطار يعبر قبيلة الرحامنة،   رمى  بي  الخيال  إلى  تاريخ  المكان. اعرف ان هذه  المنطقة- القبيلة كانت مسرحالمعركة  جمعت  بين الجبل و اسياده في مواجهة سهل متسع المساحات و العلاقات بين قبائل و عائلات سكنتها روح التازر و كثير من لحظات الرفض لأمر يأتي من مركز دون تشاور و حفظ للمقام . السهل مقابل الجبل موضوع يستحق البحث في ماضيه الذي أسس لحاضره.  من يجهل صراع قبيلة ” كلاوة ”  التي تزعمها  العم المدني  قبل إبن أخيه   صاحب الصولات  التوافقية مع  المستعمر ، ج  التهامي لكلاوي الذي أتقن بخبث كل التحالفات مع   كثير من قبائل  الحوز و الأطلس. ووصلت به الحال إلى   مساندة  المستعمر لمواجهة المجاهد الصحراوي  ” ماء العينين” الذي وصل إلى داخل مشور مراكش لمواجه دخيل  أجنبي على مراكش  و لكنه  تجاوز  حدود  هيبة خليفة السلطان.  وقف  أمامه مولاي ابو بكر إبن الحسن الأول  و أمر حارسه الخاص بإطلاق النار عليه  كخليفة إن تعدى ماء العينين حدود الدار. كانت هذه نقطة فاصلة جعلت الشيخ ماء العينين يرتكب خطا المواجهة مع  الفرنسيين في سهول الرحامنة المنكشفة  لمن يتقنون تدبير الحروب.  و سيستمر نفس الخطأ فيتدبير معارك تعرض خلالها إبن عبد الكريم لخيانة من ظن أنهم من مناصريه. و نفس الشيء حصل مع من  لم يتقن قواعد التحالفات  و التخطيط قبل بدء المعركة أيام محاصرة ” بو حمارة و بعده ما  جرى بين المولى  عبد الحفيظ و المولى يوسفقبل سنوات قليلة من فرض الحماية الإستعمارية على المغرب.

أبناء المغرب في هذا اليوم يريدون بناء الأسوار  و الجسور.  يريدون بناء وطن قوي ذو صرح اقتصاد متين.   و الغرب  لا زال حاملارسائلا تكاد أن تسمي نفسها إلهية. لا زال يعيد إنتاج خطاب أبناء حاملي رسائل” المهمة الحضارية” الإستعمارية  التي  روجها  لها عبر رجال الدين  و علماء الأنثروبولوجيا  و حتى من يستخدمون البوصلة  و وسائل بدائية للقدرة على  قياس جودة التربةو قياساتها  الطبوغرافية  و تبرير كل أشكال الإستعمار بالاتكاء عل نص شبه مقدس ساهم في تبريره رجال كنيسة حلوا ببلادنا عقودا قبل1912. ولنا في الأب فوكو و رحلته عبر حدود سطرتها فرنسا الغاشمة فوق أرض المغرب لظنها أنها ستظل ممسكة بأراض ستسميها إقليم الجزائرإلى الأبد.

و الكلام اليوم يتغير لكي يعكس قوة البنوك  و المجموعات المالية. فرنسا  و حتى أوروبا اليوم يريدون السيطرة على ثروة معدنية  تمكنها من المحافظة على شبكة طرق التزود بالطاقة  و المعادن  و الفوسفاط الخام  إلى الأبد. الأمر الأفريقي تغيرت قواعد ضبطه  البائدة  بفعل انتظارات الشعوب  و ضغطهم على  مخرجات صناديق  الاقتراع. و من هنا تبدأ معركتنا كمغاربة.  صحيح أننا ربطنا اقتصادنا بدول لم تعد تقوى على التأثير على الإقتصاد العالمي،  و لكن تضارب المصالح  و تعارضها، جعل المغرب ينخرط في معركة بناء قوة  لكسر شبكة الحفاظ على مصالح اقلية  لا تهمها إلا ديمومة مصالحها  و علاقاتها مع من تعودوا على الرضاعة من صدرمستعمر و لو كان اللبن ممزوجا بالعلقم الغربي.  أبناء ” ماما…” تعودوا على الاحضان الأجنبية  و على عيون لا تراهم إلا بقوة الرضا.  و اليوم تنقلب عليهم لكي تفضح ما يقال أنها ملفات عن املاكهم  و حياتهم  المخملية  الموغلة  في اللذات و حساباتهم التي لا يعلم أحد مصدرها  و لم تخضع لمقتضيات قانون التصريح بالممتلكات المملوكة خارج المغرب. وهكذا تصبح ورقة أبناء ” ماما فرنسا” حسب ما يقال أول تضحية بمن راهنوا على قبيلة “بني السين” كما كان يقال على مناصري الباشا لكلاوي خلال الفترة الإستعمارية في أرقى أحياء باريس.  لعل هذا التهديد الاستخباراتي يكون عظة لمن لا يتعظ، أما المغرب فسقفه من حديد و ركنه من حجر بفضل غيرة شعب على تاريخيه  و مؤسساته  و حريته  و كرامته  و اختياراته لضمان غد أفضل.

لكل ما سبق أعلن عن حب أبناء المغرب الذين يحبون العمل لكي تنتج الأرض خيراتها، و أولئك الذين يهبون خبراتهم لصنع السيارات و  الطائرات  و الدواء  و وسائل خلق سبل إنتاج الطاقات البديلة.  أما المختصون في الاغتناء السريع  و المحتكرون  و المتكالبون على مواقع استغلال كل أنواع الريع  فهم مجرد كائنات لا تستحق صفة الانتماء للوطن. أخجل كل يوم  و أنا أتكلم مع سائق طاكسي مهني يشتغل تحت ضغط مالك سيارة اكترى ” الكريما ” من غني له، حسب قوله، عشرات ” الكريمات”. نعم لدخل ينصف أرملة مجاهد أو بطل  ليس له دخل أو أسرة شهيد أو فقير معدم  و لكن المنتفعين ذوي الدخول الجيدة لا حق لهم في الإستفادة من الريع.  هؤلاء يشكلون أدوات تسيء للسلم الإجتماعي  و يبعثون رسالة غبية  لمن لا يقدرون على ضمان أدنى درجات العيش الكريم. لقد حان الوقت للحد من كل المساحات التي تضمن الريع لأناس لا يشتغلون مثل العامل  و الفلاح  و همهم  الأول نوم عميق  و حصول على دخل دون جهد  و لا عمل. من يعمل أحبه  و من يراكم الثروات دون عمل أكرهه لأنه مجرد مستغل لفراغ في إحدى الزوايا الميتة في الوطن. و أفعال تجار الريع هي أكبر خطر على وحدة  و مناعة الوطن. وكفى و كفى  و كفى.

خالد الأندلسي