سعيد سعدي : في ذكرى رحيل “عبد العزيز بلال” .. الغائب الحاضر

في مثل هذا اليوم من سنة 1982 رحل عنا الى الأبد علم بارز من اأعلام الفكر الاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي والعالم الثالث وقائد سياسي فذ, إنه الأستاذ والمعلم الكبير عبد العزيز بلال.

غير أن غيابه الجسدي لن ينسينا أبدا خصاله الإنسانية الرفيعة وعطاءاته المتميزة في مجال الفكر والسياسة. ف”السي عزيز” كما كان رفاقه ورفيقاته وأصدقاؤه يلقبونه كان قمة في الطيبوبة والتواضع والعطاء ممزوجة بكثير من العفة والالتزام الأخلاقي بالمبائ والقيم الإنسانية العليا .

ومن العبارات المفضلة عنده وصفه للتواضع بكونه “قيمة ثورية عند كل انسان يتحلى بها”. وهذه الصفات لم تكن تمنعه من اعتماد الصرامة والحزم اللازمين في التعامل مع رفاقه ورفيقاته في الحزب وطلبته وطالباته في الجامعة والمعاهد العليا.

أما في المجال الفكري, فقد تميز فقيد الحركة التحررية والتقدمية في المغرب بتبنيه للمادية التاريخية والمقاربة الماركسية لـ”نظرية التبعية” التي ساعدته على تفكيك آليات إنتاج التخلف. فمن خلال مؤلفه الشهير حول الاستثمار في المغرب (1912/1964), بين كيف أدى الاستثمار الأجنبي (العمومي والخاص) الى تشويه البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمغرب إبان فترة الحماية وأنتج بذلك نموا اقتصاديا مشوها في خدمة مصالح “الميتروبول” الرأسمالية الفرنسية.

ولتجاوز حالة التخلف هذه الناجمة عن التبعية للرأسمالية “المتقدمة”, اقترح عزيز بلال استراتيجية متكاملة للتنمية الشاملة بالاعتماد على الذات وتبني إصلاحات بنيوية عميقة ذات طابع مؤسساتي وسياسي، بالاضافة الى أولوية التصنيع والاصلاح الزراعي والاستثمار الثقافي.
كما أن اعتماد عزيز بلال للمادية التاريخية كمنهج للتحليل جعلته ينتقد بشدة المقاربة الاقتصادوية الليبرالية لقضايا التنمية ومكنته من إعطاء أولوية قصوى للعوامل غير الاقتصادية للتنمية (خصائص البنيات الفوقية) السياسية والإيديولوجية والاجتماعية والثقافية. وهو ما دفعه إلى اقتراح تعريف دقيق وشامل لمفهوم التنمية باعتبارها “تحولا عميقا يطال المجتمع برمته” و”مسارا تراكميا لنمو القوى المنتجة ومتحكما فيه مجتمعيا, يطال كل مناحي الاقتصاد والساكنة, على إثر تحولات بنيوية عميقة تؤدي الى بروز القوى والآليات الذاتية (الداخلية) للتراكم الاقتصادي والتقدم, مما يستدعي التخلص من الحواجز والمعيقات الاجتماعية, والسياسية والاديولوجية التي تعترض هذا المسار”.

إن ما يتوجب علينا القيام به اليوم ليس تكرار فكر واقتراحات عزيز بلال التي تبقى وليدة عصرها, بل الانطلاق من هذا الفكر لتحيينه وإغنائه انطلاقا من متطلبات المرحلة الدقيقة التي تمر بها البشرية وفي ظل أزمة العولمة الرأسمالية النيوليبرالية التي تهدد الطبيعة والبشر على حد سواء. وهذا يستدعي على الخصوص إعادة الاعتبار لنظرية التبعية في صيغتها الماركسية والراديكالية، والتي تفيد بأن التنمية غير ممكنة في ظل النظام الراسمالي العالمي القائم. ولنا عودة الى الموضوع.

 

 

سعيد سعدي*: جامعي وسياسي ووزير سابق