بقلم محمد القاسمي..احتضان المغرب لكأس العالم فرصة كُبرى لمحاربة الفساد وفك العزلة وانتشال العبث من فاس!

 

ھل احتضان المغرب لكأس العالم سيسھم في نھضة مدينة فاس التي عانت وتعاني بسبب الفساد السياسي للمنتخين؟ هذا سؤال مؤرق لكل الجهات الوصية والسلطات المحلية والمؤسسات المعنية بالمدينة ، هل نُخب الحاضرة الإدريسية ستستيقض من سُباتها العميق وتتوجه بجدٍّ وحزم نحو المشاركة الفعالة من أجل رسم صورة جميلة للعاصمة العلمية للمملكة التي صار الكلُّ يحكي الصورة التي لطختھا الأيادي القذرة من المنتخبين عنها؟ وكيف كان رجل السياسة المنتخب حجرة عثرة في وجھ الاستثمار، وغياب نھضة حقيقية للمدينة؟

في الآونة الأخيرة، تشهد المدينة حركة غير مسبوقة في جميع المجالات ، وذلك ليس بفعل السياسي الذي من شأنه أن يكون ذو أفكار واقتراحات تسهم في إقلاع المدينة وتنميتها ولا الأحزاب التي من شأنها أن تشارك في هاته الحركة التي لولا الإشارات الملتقطة القادمة من العاصمة الرباط عبر توجيهات رسمية أو تعليمات شفهية لشرفاء غيورين عليها من هنا أو هناك، لقُلنا رحِمَ الله فاس ومن هم على بسَاطها ، هل كُنَّا سنجد السلطات مضطرة للقيام بكل شيء لولا عدم أهلية المجالس المنتخبة وشجع بعض الفاعلين في حقولها ، ماذا قدَّم مجلس مدينة فاس للمونديال ؟! وماذا في جعبة رئيس المجلس الإقليمي من مُقترحات تسمح للجهات المعنية بإعطائه الفرصة حتى يتكلم في موضوع يبدو أنه يجهل كل ما يتعلق به بل ويتعلق بصلاحياته المؤطرة بقوة القانون ، وما يمكنه أن يفعل لأجل المونديال الذي قد ينتشل فاس من العبث الذي تجدَّر في بنيتها ؟! لا يمكننا جلد السِّياسيين وبكل موضوعية لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، الأمل الوحيد في حماية المال العام الذي يوجد تحت إمرتهم هو القضاء، والمؤسسات التي خوِّلت لها الرصد والمراقبة …

فاس تتوفر على العديد من القدرات التي تجعلها مميزة، ومن أھم قدراتها الإنسان القابل للتفاعل في مجتمعه بحركية دائمة، وموقعها الجغرافي المتميز بطقسه المتنوع، أضف إلى ذلك تجذرها في التاريخ، كل هذه إمكانيات قلما نجدها في مُدنٍ أخرى ، غير أن المؤسف في الأمر أن هذه القدرات عوض أن تكون طاقة محفزة للإنطلاق أصبحت عبئا، وذلك بسبب خطط غير مدروسة تتغير في أي لحظة بشكل انفعالي وعاطفي يغيب فيھا العقل والدراسة الموضوعية، مما يؤدي إلى انعدام الرؤيا وضبابية خط السير، فلم يرسم بعد طريق الرحلة والمحطات التي يجب الوقوف عندھا، بشكل استراتيجي مدقق.

لذلك فإن المدينة تحتاج إلى دفعة كبيرة ومخطط كبير يحرك العاصمة العلمية بمختلف مكوناتھا وتجعل ناسها من الداخل أو الخارج ينخرطون في الأمر بغرض الذھاب قدما بطريقة تغذي المواطن الفاسي بقوة إيجابية، وتجعل الكل يجمع على الانخراط في ھذا المخطط بكل تفاني وجد وفق خريطة عمل قابلة للإنجاز مع مواكبة عملية لتقييم ھذا العمل، وكل ھذا في منأى عن الخطاب الشعبوي والدعايات الفارغة لمشاريع الوھم التي تسعى إلى تخذير الناس باستعمال لغة التسويف التي توالت من طرف المنتخبين عبر مراحل من الزمن .

ولا توجد اليوم محطة قابلة لھذا الإجماع من أجل النھوض بالمدينة وخلق فرص لانتاج الثروة وتحسين وضعية المواطن بمدينة فاس على غرار مدُنٍ أخرى من تظاھرة كأس العالم الذي سيقام جزء منه في المغرب، فهذه التظاھرة تعتبر محطة كبرى من أجل القيام بأعمال كبيرة يمكن إعطائھا للعالم وللمغرب، حيث يجب استغلال هذه الفرصة التاريخية بغرض القيام بعمل متقن وبجودة عالية وفق معايير دولية، وذلك تحت مراقبة صارمة لأن ھذا إنجاز للوطن. ولا مجال فيه للخطأ أو الكذب أو التلاسن الفارغ بين الفرقاء السياسين أو تقديم أرقام أو إحصائيات مغلوطة لأن العالم يراقب والمواطن المغربي البريئ منخرط في العمل وينتظر النتائج.

ويجب أن نعلم أن المواطن من كثرة الإحباط الذي يعانيه من الوعود الكاذبة، لم يبقى له الأمل في التمني بوجود مخطط كبير ينتشله من الفقر والجھل، وأصبح يؤمن بأن الحكومات تراوغ فقط من أجل ربح الوقت بغرض المحافظة على السلطة التي تتحوزھا، والمواطن أصبح همه الحفاظ على الاستقرار، وبين الحكومة والمواطن مسافة زمنية تتمدد في الھدر، والإعراض عن حل المشكلات في وقتھا مما يجعلھا تتحول إلى مشكلة أكبر ، وھذا أدى إلى تراكم المشكلات بشكل مخيف، مما نتج عنه خلق فن جديد في العمل السياسي المغربي وھو إدارة المشكلات وليس الانكباب على حلھا، والخطاب السياسي فيه أصبح متفننا في تبرير الفشل لا الانكباب على التغيير، وھذا أدى بالمواطن إلى الھروب من الواقع في الانغماس في الدين، حتى أن ھذا الأخير يجلد النفس ويحاسبھا من أجل اقتناء أضيحة العيد وھو يعلم أن التكلفة فوق طاقته، ولا يلقي بالا لمحاسبة نفسه على ما يقع في الواقع من ظلم أو فساد سياسي أو إداري.

فتنظيم كأس العالم لن يحل كل مشاكلنا مع الجھل والفقر والظلم، لكنه قد يسھم في خلق وميض نتتبعه من أجل بناء مغرب جديد يواكب العصر ويسھم فيه ، ونحن في طريقنا إلى هذا الحدث العالمي الكبير من العيب والعار أن يكون مسؤول واحد على رأس المسؤولية في الوقت الذي يجب أن يتابع مباريات كأس العالم من داخل زنزانته ، كم مزَّقتنا مشاعر الضيم والضيق ونحن نتابع نجاحات المنتخب المغربي من داخل السجون ونحن مظلومون في الوقت الذي نرى ناهبي المال العام ومختليسيه يقدون تصريحات لوسائل الإعلام وكأننا نعيش في غابة أو فدَّان ، أملنا كبير في حركة الشرفاء داخل الأجهزة والمؤسسات السنوات القادمة فرصة للتغير نضرا لما تستوجبه المرحلة من الداخل أو تفرضه من الخارج ، الكلُّ ملزم بالتغيير الجماعي .