يعتبر تنظيم معرض للكتاب بانتظام مكسبا مهما للشعب  و للوطن.  القراءة التي كانت طقسا يوميا يجب احياؤه عبر الكتاب الذي يجب أن يتم نشره  و تشجيعه و الحث على التشبت به من طرف جميع المسؤولين  و على كافة المستويات. لا حاجة  إلى تبيان أن ” أمة  اقرأ ” تحتاج  إلى دفعها بكل الوسائل الحضارية إلى  إعادة  ربطها  بالكتاب. تم نقل معرض الكتاب من مهده بالدار البيضاء إلى العاصمة الرباط  و ظل هذا المعرض متوهجا  وظل تلك القبلة التي يتوق إليها كل محب للكتابة  و كل هائم  بلذتها و متعتها. بلادنا تحتاج إلى أكثر من تظاهرة للكتاب  و لذلك وجب التفكير في برمجة موعدين سنويين للاحتفال بالإبداع  و المبدعين  و تشجيع تأليف الكتاب  و اقتناءه  و قراءته .   معرض  الدار البيضاء  للكتاب  يجب  أن يظل  ذلك الموعد الربيعي  حتى تبقى البيضاء  عاصمة الاقتصاد و المال  و كذلك  الثقافة.  الثقافة كل مجتمعي متحرك بإستمرار لا يمكن الفصل فيه بين المسرح  والسينما  و الموسيقى  و الرقص  و الكتاب. من يعادي جزءا من  مكونات الثقافة لا يمكن أن يحب جزءا آخرا بأي حجة كانت تسكنه.

الأمر يتطلب انخراط وسائل الإعلام في إعادة الاعتبار إلى الكتاب .قليلة هي البرامج التلفزية  و الإذاعية التي تخصص حيزا زمنيا لتحبيب القراءة.  إذا استثنينا برنامج ” صدى الإبداع ” الذي يعده المفكر عبد الحق نجيب على القناة الأولى صحبة فريق متميز، فإن المشهد يكاد يخلو من شيء ثمين إسمه الكتاب و القراءة . كم نتذكر بكثير من الحسرة برنامج ” ناشئة الأدب ” على الإذاعة الوطنية   والذي شكل مدرسة  لصقل المواهب  و ترقية الذوق لارتشاف حلاوة الكلمات الجميلة   و المعاني العميقة. كان صوت مؤسس البرنامج إدريس الجاي  و بعد وجيه فهمي صلاح محفزا على حب  الإبداع.  كانت المقدمة الموسيقية للبرنامج في الستينيات  تزيد من جمالية محتواه.  من  ينسى ” سيريناد موزارت ” قبل فتح الميكروفون. و كم نتذكر برنامج “مشارف” الذي كان يقدمه المبدع ياسين عدنان   على القناة الأولى و الذي كان يشكل احتفالا  أسبوعيا بالكتاب  و الذي كان يختتم بعبارة جميلة تحمل في طيها دعاء ” دامت لكم متعة القراءة “. هذا المهووس منذ صغره بالثقافة أطل على الجمهور العربي من خلال برنامج ” بيت ياسين ” على قناة الغد مع توسيع محتوى المادة القافية التي يتم تقديمها.

يجب الإقرار، بعد  هذا التنهد  على ماض قريب  و بعيد ،بأن معرض الكتاب بالرباط سهل ظروف تنظيم المناسبة  و زاد من قوة جذبها. المكان يتسع للآلاف من الزوار  و للكثير من الأجنحة المخصصة للعرض. و لكن هذا المعرض يجب أن يظل عريسه  و نجمه الكتاب  و مؤلفه و ناشره  و طابعه  و قارئه.  معرض الكتاب في الرباط أصبح أولا،   و مع الأسف،  معرضا للمؤسسات الحكومية التي  تزيد  اجنحتها  على الأربعين . حين تلج إلى هذه الأجنحة تجد فيها  كل أطياف المؤسسات الرسمية  وكلها تتسابق على تنظيم ندوات في أماكن لا تتوفر فيها شروط تنظيم الندوات.  ضوضاء تحدثها أصوات الميكروفون  المتعدد المنافذ إلى سمع الزوار. المشهد يوحي بأن هناك سباق على تسجيل أكبر عدد من العروض في مجالات القانون  و الحسابات  و علوم الإدارة  و التنظيم   و الافتحاص  و المراقبة. تتداخل الأصوات  حتى يخيل إليك أنها ساحة صراع على احتلال الرتبة الأولى في نسب الإستماع و كأنها إذاعات.  قليلة هي المؤسسات الرسمية التي تعرض الكتاب كالمندوبية السامية لقدماء المحاربين  و أعضاء جيش التحرير التي اختارت منذ سنين دعم و تشجيع البحث التاريخي و كونت رصيدا مهما من المطبوعات في مجال الذاكرة.

لكل ما سبق وجب الاجتهاد للرفع من مستوى تنظيم معرض الكتاب.  في البدء وجب التفكير في  مشروع يحول ساحة  المعرض التي تحتضن كثيرا من الأنشطة إلى فضاء ثقافي و اقتصادي مخصص للمعارض  و تصميمه اجنحته بكثير من الإبداع ليصبح مركزا لكل الأنشطة التي تجذب الجماهير التواقة إلى الإنتاج الثقافي بكل ألوانه.  ما يتم صرفه سنويا لبناء الخيام الكبيرة  و تجهيزها بالمكيفات  و الإنارة  و المرافق الصحية  و تجهيزات العرض يمكن أن يحول المكان إلى تحفة معمارية تتم تغطية الإستثمار فيها في سنوات قليلة.

الأمر يتطلب أيضا جذب الزوار للمعرض في ظل تراجع القراءة  و ذلك عبر مجانية الدخول إلى المعرض. جزء كبير من الشباب قد يعتبر أن  10 دراهم لتذكرة الولوج إلى المعرض قد تمكنه من اقتناء كتاب.  لذلك يجب أن نشرع الأبواب أمام الشباب  و ندعوهم للمعرض لعلهم يجدون في الكتاب متعة  و يربطون معه صداقة تدوم.