بقلم إدريس الأندلسي ..وزير العدل الفرنسي: وداعا لحرية التعبير، قطاع غزة و الدكتاتورية المقبلة

قرأت بكثير من الوعي دورية السيد ” ديبون موريتي” و لم أتفاجأ بمآل فرنسا على الصعيد الحقوقي . دورية تمنع التنفس و الكلام و التعبير، صادرة عن محامي أصبح وزيرا دون مسار سياسي و استثمر وقته في صنع صورة مسرحية في المحاكم . و مع تراجع الممارسة السياسية بعد وصول ماكرون، تراجع منسوب القيم و التكوين السياسي في تدبير الشأن العام.

غاب الحزب لصالح حركة تجمع أفراد دون هوية و انتماء. و أصبح من الممكن مهاجمة مبادىء حقوق الإنسان في بلد رفع شعار ” حرية، أخوة، مساواة” . مسار في منحدر يتنكر لكل القيم الحضارية و قد يضع فرنسا في نفق يقود إلى الدكتاتورية بأشكال ” ناعمة ” و مبنية على التأثير على الرأي العام عبر السيطرة على وسائل الإعلام بما في ذلك قنوات التلفزيون و شبكات التواصل الإجتماعي بقوة الرأسمال و بالسيطرة على سوق الأسهم حتى أصبحت هذه القنوات تتكلم بصوت وحيد و بمباركة سياسية.
و لكل ما سبق، لاحظت القوة السياسية المسيطرة على القرار السياسي أن هناك جيوب مقاومة متكاثرة تعاكس طموحها في توجيه الجميع إلى طريق واحد. و جاءت تطورات القضية الفلسطينية في قطاع غزة و كل المآسي التي نتجت عنها بالنسبة للمدنيين، لتبين أن الأمر أكبر مما حدث و ما سيحدث. بدأت حكومة إسرائيل مسلسل دمار هدفه إفراغ غزة و تهجير الفلسطينيين إلى سيناء و إعادة احتلال القطاع. و هذا يحتاج إلى سلاح أمريكا و أوروبا و تكميم كل الافواه التي لا زالت تتكلم عن مأساة الشعب الفلسطيني و ضرورة دعم حقوقه في أرضه و حماية مقدساته.
و لتكميم الافواه و منع خطابات حماة حقوق الإنسان و تقديس الصهيونية و إسكات المعارضين و شل كل من له رأي في القضية الفلسطينية ضد الاحتلال، تطوعت فرنسا لفتح باب الظلم و التنكر لماضيها. المحامي ” ديبون” كان مخلصا لمن املى عليه نص دورية خبيثة و غارقة في التنكر لحقوق الإنسان و لتاريخ فرنسا و قياداتها الفكرية و التاريخية. و هكذا جاء نص قانوني صريح يجرم كل قول أو رأي أو رد فعل و ربما يتطور الأمر إلى مجال الأحلام في الدفاع عن حقوق شعب فلسطيني تعرض لغزو من طرف عصابات إرهابية بمباركة إنجليزية و أوروبية و أمريكية.
ماذا تقول دورية ” حامل الاختام ” الفرنسي و المحامي السابق و المحب لأداء ادوار مسرحية و الآتي إلى السياسة من باب اضعاف المدارس الحزبية. قبل ذلك أود القول أن قراءة هذه الدورية الوزارية المشينة ذكرتني بأغنية شيخ إمام ” ممنوع من الكلام، ممنوع من السكات، ممنوع من الاستياء، ممنوع من الاشتياق…و في كل يوم في حبك تزيد الممنوعات… و فكل يوم بحبك أكثر من اللي فات” .
ذكرت الدورية بما جرى في غزة و محيطها المحتل و الآثار الممكنة التي يمكن تنتج عنه في فرنسا. و للتذكير فإن المواقف الرسمية الفرنسية لا تعير أية أهمية لجزء كبير من الفرنسيين بما فيهم ملايين العرب و المسلمين و حملة الفكر الحر و المنتمين إلى قراءة موضوعية للتاريخ. و للتذكير فإن فرنسا غدرت بدول المغرب الكبير و أفريقيا التي ساهمت في تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية و قررت الإستمرار في استعمار الكثير من الدول عكس إنجلترا. و أكثر من هذا زاد بطشها الإستعماري حتى سنة 1955. و كانت التهمة الموجهة للمناضلين من أجل الاستقلال آنذاك هي الإرهاب. و لا زال سلوك سلطات فرنسا قائما رغم العقود التي مضت. أن تساند شعب فلسطين أو أن تتكلم عن فظائع إسرائيل في الضفة الغربية و في القطاع و في القدس فإنك تساند الإرهاب. و هذا يمكن أن يدخل السياسي و النقابي و الجمعوي و المثقف و المواطن العادي و الصحافي و الجالس في مقهى إلى السجن في فرنسا ” الحرية و الإخاء و المساواة “. و هذا ستكون له نتيجة واحدة هي زيادة عزلة فرنسا دوليا في كل بلدان العالم الإسلامي و العربي و الأفريقي و الآسيوي.
لكل ما سبق فأنت أيها المواطن مجرم و متواطئ مع الإرهابيين و مشجعا للإرهاب و ضد السامية إذا قمت أو نقل عنك أنك قمت بما يلي:
أن تكون لكلامك أو لصور استعملتها أو لأية أعمال أخرى آثار على نفسية متضرر أو شرفه أو انتماءه أو ” عدم انتماءه ” إلى عرق أو دين أو مجموعة بشرية فإنك خرقت القانون الجنائي الفرنسي.
إذا شاركت في نقاش و كان لأقوالك أثر على آراء الغير في تقديره لفعل أنه غير إرهابي و لو كان في إطار حوار ذو منفعة عامة و كان ذا طبيعة سياسية، فإنك تكون قد ساهمت في تبجيل و تشجيع فعل إرهابي.
إذا رفعت شعارات أو علما لمنظمة ” إرهابية ” فإنك تساهم في دعمها
التوجيه صارم إلى كل المسؤولين القضائيين أن يسهروا على الخطابات العدائية و كل ما يبدو أنه معاد للسامية لاتخاذ الإجراءات الصارمة لقمعها.
هكذا تعيش فرنسا انحطاطا لا مثيلا له في التعامل مع مأساة إنسانية حقيقية. فلسطينيون و إسرائيليون يوجدون في وسط بركان سببه ظلم تاريخي و استمرار في هذا الظلم و تشجيع من طرف الغرب على أن تستمر الأزمة إلى أمد بعيد.
و يظل السؤال هو من خلق العنف في فلسطين و من مول عصابات الصهيونية خلال الإستعمار البريطاني و من سكت عن تهجير الفلسطينيين و من قتلهم في كفر قاسم و غيرها من القرى الفلسطينية و تتبعهم في لبنان ليذبحهم في تل الزعتر.
أيها الغرب، أيتها الدولة الفرنسية التي أصيبت بداء النسيان. هل احصيتم كم قتل من الأطفال في فلسطين و كم من اراض و من أشجار الزيتون اقتلعت و كم من مخيمات حرقت و كم من أمهات حزنت و ماتت و كم من أرواح ازهقت و كم من آمال في غد أفضل اغتصبت. فرنسا أصبحت صغيرة لأنها اختارت أن تصبح حارسا على دوام ظلم غزاة لشعب فلسطين. يا رئيس فرنسا اقرأ التاريخ و كن للعدل أقرب من الظلم. الأهم في ما يجرى و فيما سيجري هو أن أحفاد من قتلوا في غزة و الضفة الغربية و القدس لن ينسون الدفاع عن حقوق اجدادهم. هذا هو السر الذي لا يمحيه مرور الزمن لأنه رأسمال لا يتراجع مع مرور الزمن.