الحروب المائية، التي كانت تنشب منذ قرون للسيطرة على الموارد المائية، بدأت تلوح في الأفق في السنوات الأخيرة وتهدد بحق الاستقرار العالمي.

جريدة “لوفيغارو” الفرنسية كشفت في ملف مطول، نشرته أخيرا على موقعها الإلكتروني، أن المناطق المرشحة للنزاعات حول الماء عبر العالم تزداد باستمرار، وحددت 12 منطقة مرشحة للدخول في حروب مائية، لا يدخل المغرب ضمنها.
وقال الخبير المغربي في البيئة والهندسة المدنية الدكتور عبد الرحيم الخويط، في هذا الصدد، إن المغرب غير معني بالحروب الممكن أن تنشب بسبب الماء، موضحا في تصريح لـ”الصحراء المغربية” أن المغرب يستغل مخزونا كبيرا من المياه الجوفية والسطحية، وقد عمل منذ سنوات على تنويع مصادر المياه، كما يستغل المياه السطحية كالأنهار والوديان والمياه الجوفية كذلك من خلال الآبار والثقوب المائية، ولم يعتمد على صنف واحد من مصادر المياه، على عكس بعض الدول الأوربية التي تعتمد على المياه السطحية، مثل هولندا، لأن المياه الجوفية بهذا البلد وما جاوره تعاني الملوحة انطلاقا من مصدرها الذي هو البحر، لذلك نجد هولندا تراقب باستمرار وعن كثب ما يجري في نهر (لاموز) والأنشطة الفلاحية والصناعية التي تمارس في بعض المناطق التابعة لبلجيكا، التي تتقاسم معها هذا المصدر. وفي مثل هذه المناطق، يضيف الخبير المغربي المقيم بكندا، يمكن أن تنشب حروب على كيفية استغلال المياه السطحية، خصوصا مع تسجيل ارتفاع درجة الحرارة بـ4 درجات مئوية مقارنة بالفترة الزمنية بين 1951 إلى 1980، لأن ارتفاع درجة الحرارة يساعد على تبخر المياه السطحية، وسيظهر هذا واضحا عندما تقل التساقطات المطرية والثلجية، وهنا – يضيف الخويط- وجب أيضا لفت الانتباه إلى نقطة في غاية الأهمية يجب تسجيلها، وهي عودة بعض الدول إلى استعمال الفحم الحجري وإعادة تشغيل المحطات الحرارية في بعض البلدان مثل ألمانيا والنمسا، بسبب الحرب الواقعة بين أوكرانيا وروسيا، مما يزيد في الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الكون.
وأضاف الخويط أن مصادر المياه بالمغرب لا تربطها أي علاقة بمحيطه الإقليمي بشكل مباشر، مثل باقي الدول التي تتنازع حاليا، وأخرى ستتنازع مستقبلا عن مصادر المياه وحصر مجاريها في مناطق متعددة، ما يجعله مستقلا من هذه الناحية، وحتى إن حصل ذلك، فالمغرب يراعي في سياساته جميع جوانب الإخوة وحسن الجوار من الناحية الأخلاقية والعرفية احتراما للمواثيق الدولية، ولا يمكن أن يتسبب في قطع المياه عن الجيران.
ورغم كل المعطيات الطبيعية الإيجابية، فإن على المغرب العمل على ترشيد استغلال الماء وتنويع مصادره، إضافة إلى تحلية مياه البحر عبر إنشاء المزيد من المحطات وربطها بقنوات الجر إلى أبعد النقط بالمملكة، كبديل مستقبلي للمصادر الحالية، لأنه في حال استمرار الجفاف وندرة الماء، فإن المغرب يجب ألا يتأثر بذلك، بل سيكون نقطة قوة اقتصادية كبيرة على اعتبار أن توفير مياه الشرب بكميات أكبر قد يمكن من تصدير هذه المادة إلى الأسواق الخارجية وستكون لها عائدات مهمة، لأن الماء أصلا هو الحياة ووفرته تعني استمرار الحياة وبالتالي وجب بذل المزيد من الجهود لتقوية الاقتصاد الوطني من خلال الماء.
وهذه 12 نقطة توتر محتملة عبر العالم:

– السنغال وموريتانيا.. هناك خوف من أن يساهم تشغيل سد دياما على نهر السنغال في تأجيج التوتر من جديد بين موريتانيا والسنغال، حسب ملخص لتقرير “لوفيغارو” نشرته الجزيرة، بسبب الإخلال بالتوازن الهش بين الرعاة والمزارعين، على خلفية الصراع الذي حدث بين البلدين في التسعينيات. وهذا السد تديره منظمة استثمار نهر السنغال التي تضم 4 دول أعضاء، هي السنغال وموريتانيا ومالي وغينيا، ويغذي بحيرة “غير” بالسنغال وبحيرة “الركيز” ومنخفض “آفطوط الساحلي” بموريتانيا، وهو يعمل “جنبا إلى جنب” مع سد ماننتالي في مالي لتوليد الطاقة الكهرومائية للمنطقة.

– سلوفاكيا والمجر.. مواجهة على نهر الدانوب وفي أوروبا، بحسب “لوفيغارو”، بسبب النزاع حول تنظيم مياه نهر الدانوب والعلاقات بين المجر وسلوفاكيا بعد أن تم إبرام اتفاقية في عام 1977 تهدف إلى الحد من الفيضانات وتسهيل الملاحة في هذا النهر المتقلب، وقد أدانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي رفعت أمامها القضية عام 1993، الطرفين لعدم احترام المعاهدة.

– أوكرانيا وروسيا.. قناة القرم
غذت إمدادات المياه في شبه جزيرة القرم التوترات الروسية الأوكرانية منذ ضم شبه الجزيرة غير القانوني من قبل موسكو عام 2014 بعد أن أغلقت سلطات كييف بوابات القناة التي تم حفرها في الستينيات لتوجيه جزء من مياه نهر دنيبر إلى الجزيرة.
ومنذ ذلك الحين واجهت المنطقة -التي كانت تستمد 85 في المائة من مياه الشرب من القناة- موجة جفاف متكررة حتى أعاد الجيش الروسي تشغيل القناة مباشرة بعد اجتياح قواته جنوب أوكرانيا.

– لبنان.. برج المياه في الشرق الأوسط
لأول مرة يعاني لبنان من إجهاد مائي مرتفع للغاية بسبب الاحتباس الحراري والأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد منذ عام 2019، وإذا كانت عواقب هذه الأزمة المائية محصورة في البلد في الوقت الحالي، كما تقول لوفيغارو- فإنها يمكن أن تمتد إلى المستوى الإقليمي.

– تركيا والعراق وسوريا.. الحق في الماء للأقوى
انخفضت مستويات نهري دجلة والفرات اللذين يعبران تركيا وسوريا والعراق بسبب السدود التركية الكبيرة التي تقلل تدفق المياه إلى الجيران، حيث يعاني العراق من الجفاف للعام الثالث على التوالي، وقد تنفد المياه قريبا كذلك لدى ملايين السوريين.

– إثيوبيا.. سد على النيل يخلق أزمة إقليمية

يشكل “سد النهضة العظيم”، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق الرافد الرئيسي لنهر النيل، مصدر قلق كبير للسودان ومصر الواقعين على مصب النهر، واللذين يطالبان بوقف ملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق ثلاثي.
وفي اليمن -الذي يعيش حربا منذ عام 2015- تعد المياه قضية إستراتيجية، لأن مستوى الإجهاد المائي بلغ ألف متر مكعب، بسبب استخدام لمدة 30 عاما لإنتاج القات الذي يستهلك 60 في المائة من موارد البلاد.

– الهند وباكستان.. الخلاف على نهر السند
ينبع نهر السند من هضبة التبت، ويمر عبر الهند قبل أن يتدفق في باكستان وينهي مجراه في بحر العرب، عند التقسيم في عام 1947 آلت الأراضي التي يرويها إلى باكستان، لكن الهند احتفظت بمعظم إمدادات المياه -كما تشير الصحيفة- لتطلق الكثير من المياه في المناطق التي غمرتها الفيضانات، ويغذي الصراع في كشمير هذه الأزمة.

– الصين ولاوس وفيتنام.. سدود على نهر ميكونغ

نبهت الصحيفة إلى أن انتشار السدود الكهرومائية التي بنتها الصين عند منبع أطول نهر في جنوب شرق آسيا يهدد إمدادات المياه لـ60 مليون نسمة يعتمدون عليه في الزراعة وصيد الأسماك، من لاوس إلى فيتنام عبر بورما وتايلند وكمبوديا.

– كندا والولايات المتحدة.. اتفاق في خطر
أسفرت معاهدة نهر كولومبيا -التي صدّقت عليها الولايات المتحدة وكندا عام 1964- عن بناء 4 سدود ضخمة لتوليد الطاقة الكهرومائية للحد من مخاطر الفيضانات وتوليد مليارات الدولارات من الكهرباء، والمفاوضات جارية بين البلدين لتحديثها، لكن الممثلين الأمريكيين الذين يجدونها باهظة الثمن يريدون تغييرها بالكامل.

– الولايات المتحدة والمكسيك.. الجفاف يؤجج التوتر

أصبح النهر في ولاية كولورادو بجنوب غربي الولايات المتحدة والمكسيك أكثر جفافا، مما يؤجج التوترات مع المكسيك التي يجب عليها -بموجب اتفاقية تم توقيعها عام 1944- تزويد جنوب الولايات المتحدة بـ450 مليار لتر من المياه سنويا.

– البرازيل والأرجنتين وباراغواي.. التوتر في نهر بارانا
في عام 1979 وضعت الدول الثلاث حدا لـ10 سنوات من الصراع من خلال توقيع اتفاقية حول الاستغلال المشترك لمياه نهر بارانا على حدود الدول الثلاث، لكن شروط المعاهدة التي تنتهي في عام 2023 تثير استياء باراغواي.

م.الصحرا