أشاد مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية د. محمد الفران،  عاليا بالدور  الأساسي الذي اضطلع به  محمد العربي المساري ( 1936- 2015 ) في مجالي الثقافة والصحافة وتكنولوجيا الاعلام، الأمر الذي جعله قيد حياته، علما من أعلام الثقافة المغربية عموما، والصحافة والإعلام على الخصوص، فضلا عن مساهمته في تطوير مهنة الصحافة ومواكبة تطورات تكنولوجيا الإعلام.

وقال الفران في كلمة افتتاح حفل تسليم مكتبة المساري إلى المكتبة الوطنية للمملكة أول أمس الجمعة سابع يوليوز الجاري، والتي تتضمن 3493 كتاب و1120 مجلة و7 أقراص مدمجة، بالإضافة إلى أرشيفه الأدبي، إن المكتبة بذلك تحمل على عاتقها عبءا ثقيلا، وهي تأبن منارة علمية شامخة، وعلما من أعلام الثقافة المغربية عموما، والصحافة والإعلام على وجه الخصوص.

وأوضح أن المساري، كان يفيض كالنبع حيث تعددت مجالات اهتمامه، وتوزعت بين النضال السياسي، والعمل الدبلوماسي، والكتابة والتأليف، والمسؤوليات الإدارية التي تحملها باقتدار كبير ووطنية عالية. وأكد أن هذه المهمات السياسية والمهنية، لم تثني المرحوم عن تأليف عشرات الكتب، والدفاع بشدة ورباطة جأش عن حرية الفكر والإبداع وعن لغة الضاد، وهو ما أهله عن جدارة بأن ينتخب كاتبا عاما لاتحاد كتاب المغرب لثلاث ولايات متتالية.

وفيما يلي كلمة محمد الفران مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية:

” بمشاعر تجمع بين ألم الفقد وإحياء الذكرى، أقف أمامكم، لإلقاء كلمة بمناسبة حفل تأبين علم من أعلام الذاكرة المغربية المعاصرة، المرحوم محمد العربي المساري، الصحافي والمؤرخ والديبلوماسي والكاتب المغربي، الذي أهدى خزانة كتبه، للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. فعندما يرحل رجل  من رجالات بلدنا الحبيب، تنفطر القلوب، وتنطفيء منارة من منارات الوطن، دأبت على إرسال أشعة النور والخير. لكنه يظل خالدا في ذاكرتنا جيلا بعد جيل بقيمه وأخلاقه، بمواقفه وأعماله، بأبحاثه ومؤلفاته.

إن المكتبة الوطنية تحمل على عاتقها عبءا ثقيلا، وهي تأبن منارة علمية شامخة، وعلما من أعلام الثقافة المغربية عموما، والصحافة والإعلام على وجه الخصوص. لقد كان رحمه الله، يفيض كالنبع حيث تعددت مجالات اهتمامه، وتوزعت بين النضال السياسي، والعمل الدبلوماسي، والكتابة والتأليف، والمسؤوليات الإدارية التي تحملها باقتدار كبير ووطنية عالية.

النضال من أجل حرية الصحافة

تدَرَّج في مهنة المتاعب منذ منتصف الخمسينات في الإذاعة الوطنية المغربية، لكن اسمه سيلمع في صحيفة “العلم” وفيها سيتدرج من محرر إلى رئيس تحرير. وفيها ارتبط اسمه بحركة النضال من أجل حرية الصحافة في المغرب.

فلا عجب إذا تولى بعد ذلك أمانة نقابة الصحافة الوطنية المغربية، ليلعب دور الإعلامي القيادي ذي المهنية العالية، والقدرات المتميزة في إدارة الحوار، والنظرة الإنسانية في معالجة القضايا الشائكة والمعضلات الطارئة. لقد عمل على تطوير مهنة الصحافة ومواكبة تطورات تكنولوجيا الإعلام، وخصص في السنوات الأخيرة من حياته حيزا هاما لتطوير الصحافة الإلكترونية في المغرب، من النواحي القانونية والأخلاقية والمهنية.

الدفاع عن لغة الضاد

لم تثنه هذه المهمات السياسية والمهنية عن تأليف عشرات الكتب، والدفاع بشدة ورباطة جأش عن حرية الفكر والإبداع وعن لغة الضاد، وهو ما أهله عن جدارة بأن ينتخب رئيساً لاتحاد كتاب المغرب لثلاث ولايات متتالية.

إن خصاله المهنية ونزاهته الفكرية بوأت المرحوم العربي المساري من قبل اليونسكو لعضوية لجنة حرية الصحافة “غييرمو كانو” لسنوات 2002 و2003 و2004، كما بوأته لترأس لجنة الجائزة الكبرى للصحافة المغربية ولجنة جائزة المغرب لسنوات عديدة.

كما أن إتقان المرحوم العربي المساري للغة الإسبانية، جعلته مرجعا من المراجع الأساسية في المغرب، للقضايا المتصلة بإسبانيا وتاريخ العلاقات بين البلدين، كما وصفها في كتابه “المغرب إسبانيا علاقات صعبة”. وقد ألف العديد من الكتب في هذا المجال، لذلك كان أيضا مقصد الإعلاميين والمثقفين الإسبان، وعُد من أهم الكتاب العرب باللغة الإسبانية.

خبير العلاقات المغربية الاسبانية

واختير المساري عضوا من لجنة ابن رشد، وهي هيئة حكماء، تضم مفكرين وساسة مخضرمين، أوكل لها المرحوم الحسن الثاني طيب الله ثراه، والعاهل الإسباني خوان كارلوس، في منتصف التسعينات من القرن الماضي، إلقاء الأضواء الكاشفة على العلاقات بين البلدين باعتبارهما يشكلان حلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا وبين العالم الإسلامي والعالم الغربي. وفي السياق ذاته سيعين المرحوم العربي المساري سنة 2000 عضوا بمجلس إدارة مؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيلية، وهي مؤسسة كما هو معلوم، متخصصة في إدارة الحوار بين معتنقي الديانات السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية.

إننا نجتمع اليوم في هذه المناسبة وفي هذا الصرح، الذي من آكد مهماته الحفاظ على الذاكرة المغربية وصيانة كتبها ووثائقها وأيضا تاريخ علمائها وأعلامها، والمرحوم العربي المساري سار من ضمنهم بعد أن جاور ربه والتحق بالرفيق الأعلى.

لقد تعرفت شخصيا على المرحوم عندما دعاني إلى بيته، سنة 2005، فوجدت فيه الأخلاق العالية، والتقدير الكبير  للثقافة والفكر، والاهتمام بالتاريخ وعلم السياسة، لقد كان رحمه الله يتمتع بثقافة موسوعية واطلاع شامل. واليوم ونحن نأبنه نتضرع إلى المولى عز وجل أن يرحمه ويجزيه خير ما يجزي به الذين عملوا على خدمة العلم والفكر في هذا الوطن العزيز.

إننا نجتمع اليوم في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ليس فقط لتأبين الفقيد بوصفه يمثل جزءا من الذاكرة المغربية المعاصرة كما أسلفت الذكر، بل أيضا لأعلان احتضان المكتبة الوطنية للمملكة المغربية لخزانة كتب المرحوم، بكل ما تحتويه من كتب ومجلات قيمة، 3493 كتاب و1120 مجلة و7 أقراص مدمجة، بالإضافة إلى أرشيفه الأدبي الذي سيكون رهن إشارة الباحثين والمهتمين.

علم يُنتفع به، جيل من بعد جيل

وكما أقول دائما، بهذا الصنيع سيبقى عمل الفقيد متصلا دون انقطاع: صدقة جارية سارية ومستمرة، وعلم سيظل يُنتفع به، جيل من بعد جيل، ودعاء صالح من الطلبة والباحثين. لذلك سيبقى ذكر المرحوم حيا في السماء والأرض معا.

إن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بوصفها تمثل الذاكرة المغربية، من خلال ما تحتويه من كتب ووثائق مختلفة، تشهد على التاريخ الراهن الذي يزخر بمحطات تاريخية خالدة وشاهدة على العمق الإنساني الذي ظل يطبع شخصيتنا على مر السنين، كما تسجل في هذه الذاكرة نفسها رجالاتها وعلمائها الذين أعطوا بمحبة وقيم إنسانية نبيلة، واحترام وتقدير للتراث الإنساني عموما.

لهذا عملنا منذ قيامنا على شؤون هذه المؤسسة العريقة على التشبت بسنة الإعلان، في حفل بهيج عن كل شخصية من الشخصيات المغربية أهدت خزانة كتبها وأرشيفها الأدبي للمكتبة الوطنية. لقد استقبلت المكتبة الوطنية في هذه السنة خزانة المرحوم محمد أركون والمرحوم محمد ابن شقرون والفرنسي كيار، واليوم نحتفي بخزانة المرحوم العربي المساري الذي أبت حرمه للا ثريا الشرقاوي وأبناؤه إلى تنضم خزانته الغنية إلى الخزانات المهداة إلى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، فهنيئا لنا ولهم والله الموفق لما فيه الخير “.