سعيد الكحل.. إفريقيا ضحية الإرهاب والنهب والانقلاب (3/4).
عوامل انتشار التنظيمات الإرهابية في إفريقيا.

إن انتشار الإرهاب في غالبية الدول الإفريقية تسببت فيه وتغذيه عوامل عديدة داخلية وأخرى خارجية مرتبطة بمصالح الدول والتنافس على النفوذ ونهب ثروات إفريقيا. ويمكن إجمال تلك العوامل كالتالي:
1 ـ الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناتجة عن نهب الثروات بحيث بلغت خسائر القارة، سنة 2016، من تهريب الأخشاب 13 مليار دولار، و100 مليار دولار من تهريب الخامات البترولية. وفي عام 2013 قدر حجم المعادن المهربة من الكونغو الديموقراطية وحدها بنحو 7 آلاف طن بلغت قيمتها نحو 30 مليون دولار. وفي عام 2016 قدرت خسائر القارة الأفريقية من تجارة الأسماك غير الشرعية بأكثر من 2.5 مليار دولار. يضاف إلى هذا تهريب الأموال وارتفاع الديون الخارجية. فقد صرح رئيس البنك الأفريقي للتنمية، أكينوومي أديسينا، خلال قمة سيمافور للاقتصاد العالمي التي انعقدت على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أبريل 2024، أن الدين الخارجي لأفريقيا وصل إلى 824 مليار دولار في عام 2021، وأن البلدان الإفريقية تخصص 65٪ من ناتجها المحلي الإجمالي لخدمة هذه الالتزامات. وقال إن القارة ستدفع 74 مليار دولار من مدفوعات خدمة الديون هذا العام وحده، وهي زيادة حادة من 17 مليار دولار في عام 2010. ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، فإن الدين العام الإفريقي بلغ 1,8 تريليون دولار عام 2022، مسجلاً قفزة بنسبة 183% عن عام 2010، بعد أن نما بمعدل أربعة أضعاف أكثر من الناتج الاقتصادي. بينما تبلغ إجمالي الثروة القابلة للاستثمار الموجودة حاليًا في القارة الأفريقية 2.5 تريليون دولار أمريكي وفقًا لتقرير الثروة في إفريقيا 2024 نشرته شركة استشارات الثروة الدولية Henley& Partners.
2 ـ الأوضاع الاجتماعية السيئة الناتجة عن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم وانتشار المجاعة والصراعات على منابع الماء والمراعي. الأمر الذي أدى إلى سخط شعبي ثم انقلابات عسكرية. ففي نوفمبر 2019 أفاد برنامج الغذاء العالمي وجود أزمة أمن غذائي في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، أدت إلى نزوح مليون شخص، فيما ظل 2.4 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية، وفي بوركينا فاسو نزح ما يقرب من (900000) شخص داخليًا من وسط وشمال البلاد إلى الجنوب، وهو ما أدى إلى صراعات داخلية بين سكان الجنوب والنازحين. وفي مالي يعاني إقليما موبتي وغاو من نقص كبير في المياه والغذاء. وضع تستغله التنظيمات الإرهابية للسيطرة على مناطق واسعة من الأراضي حول بحيرة تشاد، وتجنيد النازحين بسبب الفقر وانعدام الأمن. فقد أشار تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي 2022” في نسخته التاسعة، إلى أن بوكو حرام استغلت أوضاع النازحين من الكمرون فخيرتهم بين الانضمام إليها أو البقاء في المنازل، وعرضت عليهم ما بين (600) دولار أميركي –و(800) دولار شهريًا للانخراط في صفوفها.
3 ـ فشل تلك الأنظمة السياسية في احتواء السخط الشعبي والاستجابة لمطالب المواطنين في توفير الأمن والعيش الكريم. وهو ما تستغله التنظيمات الإرهابية سواء في توفير بعض الخدمات التي لم توفرها الأنظمة، أو في التحالف مع المجتمعات المحلية لحمياتها من هجمات التنظيمات المنافسة أو من الإثنيات المتصارعة على منابع الماء والمرعى. فالتقرير الصادر عن الأمم المتحدة، في فبراير 2024، أكد أن «مجتمعات بأكملها تبايع (داعش)، في ظل توسعها بغرب أفريقيا، وينجذب الأهالي في بعض الحالات إلى ما يقوم به المتطرفون من تطبيق أحكام الشريعة». ويضيف أن «بقية الأهالي لا يستطيعون الذهاب إلى أي مكان آخر، وبالتالي يجدون أنفسهم مجبَرين على مبايعة التنظيم؛ لإنقاذ أنفسهم»؛ مما يقابله التنظيم الإرهابي بالتوقف عن «مهاجمة المجتمعات المحلية التي تقيم في مناطق نفوذه، وفتح مراكز لتدريب مزيد من المقاتلين، وغرس فكره المتطرف في أوساط السكان».
4 ـ هشاشة الدول أمنيا وعسكريا وعجزها عن مراقبة وضبط حدودها وبسط سيطرتها على كامل ترابها الوطني بسبب ضعف مواردها المالية رغم غنى ثرواتها؛ مما يسمح للتنظيمات الإرهابية بممارسة أنشطها وتوسيع نفوذها وفرض السيطرة على منابع الغاز والبترول ومناجم الذهب وغيرها من المعادن. ذلك أن الحدود الدولية في القارة الإفريقية تمتد بطول 80 ألف كيلومتر، ما يجعل عنصر أمن واحد يراقب مسافة 128 كيلومتر. ففي منتصف 2019، أصدر منتدى ميونخ للأمن تقريراً تحت عنوان “الأمن العابر للحدود” اعتبر فيه القارة الأفريقية من المناطق الأكثر “هشاشة” على مستوى العالم. الأمر الذي يمكّن التنظيمات الإرهابية من سهولة التنقل وعبور الحدود والحصول على الأسلحة والتمويل واستقطاب وجلب المقاتلين.
5 ـ الحركات الانفصالية وارتباطها بالتنظيمات الإرهابية. لقد ناقش هذا المشكل المشاركون في المؤتمر العالمي ضد داعش بمراكش (ماي 2022) و “أعربوا عن قلقهم إزاء انتشار الحركات الانفصالية في أفريقيا، التي تقف وراء زعزعة الاستقرار وتعميق الهشاشة في الدول الأفريقية، مما يشجع في نهاية المطاف داعش وباقي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة العنيفة” كما جاء في البيان الختامي. وتمثل “جبهة البوليساريو” وكذا “حركة 23 مارس” في الكونغو الديمقراطية، النموذج الواضح لارتباط التنظيمات الانفصالية بالتنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية. فقد سلط فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بجمهورية الكونغو الديمقراطية الضوء على الروابط التنظيمية بين المتمردين المتمركزين في محافظة كابو ديلجادو شمالي موزمبيق وجماعة تحالف القوى الديمقراطية الإرهابية المتمركزة شرقي الكونغو الديمقراطية. وقال الخبراء في تقريرهم الصادر يوم 13 يونيو 2023: ”منذ أواخر عام 2021، عقد “تحالف القوى الديمقراطية” عدة اجتماعات مع ممثلين عن “داعش” أو جماعة أهل السنة والجماعة في موزمبيق أو كليهما، في محافظة كيفو الجنوبية، لمناقشة استراتيجية العمليات والتكتيكات.. وعُقد لقاء من هذا القبيل في منطقة شابوندا في يونيو 2022 عقب اجتماع مماثل في كيغوما بتنزانيا في غشت 2021. وأفادت المصادر أن ابن عمر والشيخ أبو ياسر حسن، القائدين العسكريين والروحيين لأهل السنة والجماعة في موزمبيق سافرا إلى كيفو الجنوبية في مطلع عام 2023، والتقيا بها بعدد من قيادات “تحالف القوى الديمقراطية”“. وجاء في تقرير أعده السيد بيتر فابريشيوس، الباحث في معهد الدراسات الأمنية بجنوب إفريقيا: ”لقادة الجماعة (جماعة أهل السنة) روابط بالدوائر الدينية والأنشطة التجارية والعسكرية للجماعات الإسلامية المتشددة في تنزانيا والصومال وكينيا ومنطقة البحيرات العظمى، وغالباً ما يكون ذلك من خلال التدريب هناك.“ “ويتدرب الأعضاء محلياً (أحياناً على أيدي رجال الشرطة وحراس الأمن الناقمين على بلادهم) وخارجياً في تنزانيا ومنطقة البحيرات العظمى على أيدي قادة الميليشيات الذين عينتهم جماعة أهل السنة في تنزانيا وكينيا والصومال.“
6 ـ التوظيف الخارجي للتنظيمات الإرهابية. إن أطرافا دولية، من داخل إفريقيا ومن خارجها، متورطة في دعم التنظيمات الإرهابية. ومن تلك الأطراف، فرنسا التي اتهمها عبد الله ديوب، وزير خارجية مالي من داخل الأمم المتحدة، بدعم الإرهاب قائلا: “فرنسا ارتكبت انتهاكات صارخة في المجال الجوي لمالي، قصد جمع معلومات استخباراتية هدفها زعزعة استقرار البلد”، مؤكدا أنها “ساعدت العديد من التنظيمات الإرهابية على الحفاظ على نفوذها بالمنطقة”. كما أدان القضاء الأمريكي سنة 2022، بصفة رسمية تمويل شركة “لافارج” الفرنسية تنظيم “داعش” الإرهابي. وكشف تقرير مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط لسنة 2012، عن وجود علاقات بين الجزائر وبين تنظيم القاعدة الذي أنشأته المخابرات الجزائرية وعيّنت على رأسه جزائري، أن الجزائر لا تريد القضاء على الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بدليل أنها رفضت توظيف قدراتها العسكرية ضد تنظيم القاعدة للقضاء عليه في مهده. الأمر الذي مكّن التنظيمات الإرهابية من إرساء قواعدها، خاصة في شمال مالي. فالجزائر، حسب ذات التقرير، تدعم إياد أغ غالي زعيم جماعة أنصار الدين الإرهابية التي باتت موالية لداعش، لإضعاف حركة تحرير أزواد ومشروعها الانفصالي، لارتباطها بحركة القوميين الأمازيغ الجزائريين المطالبين باستقلال منطقة القبائل. ولا يخفي آغ غالي افتخاره، وفق نفس التقرير “بتوفرّه على مجموعة هائلة من مصادر المعلومات في باماكو والعاصمة الإقليمية الأكثر تأثيراً (الجزائر). الأمر الذي يؤكد أن تنظيم القاعدة هو صناعة جزائرية بدليل أن جميع قادة إمارة الصحراء أي عبد الحميد أبو زيد، ويحيى جوادي ومختار بلمختار (بلعور)، مرتبطون بدائرة الاستعلام والأمن الجزائري. وقد كان عبد الحميد أبو زيد الرجلَ الثاني في الجماعة السلفية للدعوة والقتال عندما نفذت عملية 2003 بقيادة البارا(قتل أبو زيد من قبل القوات الفرنسية والتشادية في 25 فبراير 2013 في القتال شمال مالي).
7 ـ الصراعات الإثنية ( توجد في إفريقيا 2200 إثنية) التي يستغلها الإرهابيون لإيجاد بيئة حاضنة عبر تقديم بعض الخدمات أو توفير الحماية والطعام مقابل تجنيد الأطفال والشباب. واستنادًا إلى تقرير “سجل التهديد البيئي” (ETR) الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، توجد علاقة طردية بين انتشار التنظيمات الإرهابية ووجود أزمات إنسانية كانعدام الأمن الغذائي والمائي ( عملت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على تنصيب نفسها المناصر للجماعات العرقية كالفولاني في مالي، سعيًا منها للاستفادة من الصراعات القبلية القائمة بين الفولاني والطوارق في المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر ، حركة الشباب توزع الأطعمة والملابس والزكوات والأضاحي على سكان المناطق التي تسيطر عليها في الصومال ، داعش يستغل سخط الفلاحين والصيادين، في شمال موزنبيق، على الدولة بسبب غياب البرامج التنموية رغم غنى المنطقة بالغاز الطبيعي، فيستقطبهم ).
8 ـ فساد النخب السياسية وتواطؤها مع التنظيمات الإرهابية. يشير تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023 إلى أن “انتشار الفساد، لا سيما فساد النخب السياسية لدول الإقليم، كان له دورٌ في انتشار تلك التنظيمات، حيث تمكنت من التوصل لاتفاق يقضي بتقديم أموال طائلة ورشاوى، مقابل تسهيلات تتعلق بتمركز التنظيمات الإرهابية”. وتحدثت الوثائق التي نشرتها الحكومة الأمريكية، مارس 2010، عن مناقشة قادة تنظيم القاعدة لخطة تتضمن اتفاق سلام مع حكومة موريتانيا وذلك في جلسات أجراها التنظيم عام 2010. بحيث يلتزم التنظيم بعدم القيام بأي نشاط عسكري في موريتانيا لمدة عام، على أن تطلق السلطات الموريتانية سراح جميع سجناء القاعدة مع التعهد بعدم شن أي هجوم على معسكرات التنظيم انطلاقاً من أراضيها، ودفع مبلغ يتراوح بين 10 و20 مليون يورو سنويا لفائدة تنظيم القاعدة. وكان أسامة بن لادن قد تحدث في إحدى رسائله عن “جهات ترغب في عقد هدنة مع الإخوة ورأينا أن عقد الهدنة ضمن ضوابطها الشرعية أمر حسن، حيث أننا نرغب في تحييد كل من يمكن تحييده في فترة حربنا مع العدو الأكبر أمريكا، أما مسألة العشرة ملايين يورو سنوياً فلا أرى التشدد فيه، وإنما الذي يهمنا أن تتم الهدنة”. كما سبق لبازوم، الرئيس النيجيري المطاح به، أن صرح في “مؤتمر الأطر“، أنه يسعى إلى الحوار مع مواطنيه من الجماعات المسلحة، مشيرا إلى أنه أرسل مبعوثين إلى سوكوتو وبيرني كيبي، في نيجيريا، للحديث مع مسلحي بوكوحرام.