تقع مخازن أوجكال على ضفاف وادي عطاش، تفصلها عن بوتفردة حوالي 5 كلم، و للتوجه إليها، ينبغي أولا الوصول إلى مدينة القصيبة التابعة لإقليم بني ملال، ثم التوجه صوب أغبالة ، لكن قبل 15 كلم منها، ينبغي السير في طريق إملشيل مسافة 15 كلم أخرى لتنعطف صوب جماعة بوتفردة، حيث يكون الزائر مضطرا للسير على الأقدام، غير أنها مستوية و دون عقبات، تتخللها مناظر طبيعية مبهرة.

“أوجكال” معالم ثقافية وسياحية

تعتبر مخازن أوجكال من أهم المعالم الثقافية و السياحية بالمغرب، لدرجة يمكن اعتبارها معلمة ذات قيمة عالمية، إلا أنها غير معروفة بشكل كاف.

مخازن أوجكال

وحسب تقرير صدر السنوات الماضية عن المديرية الجهوية للثقافة لبني ملال خنيفرة، فقد قامت بعثة من وزارة السياحة في أكتوبر 1991 بقيادة مستشارها التقني (فرنسوا شاليمو) ، و تم إنجاز تقارير في الموضوع، والمخازن تقليد اجتماعي قديم، مثل (المطمورة) و (الطارما)، والتي هي مخازن فردية تستعمل لخزن الحبوب، وكانت كل البيوت القديمة تحتوي على واحدة منها. وهناك مخازن جماعية، كل أسرة تملك مخزنا داخل موقع مشترك، و تساهم القبيلة في مهام البناء و الصيانة و الدفاع، كما تسير هذه المخازن بطريقة جماعية، و تتفق القبيلة على حارس لهذه المخازن، و هو الذي يسهر على تطبيق الأعراف المتوارثة بين الأجيال، التي تنظم قوانين الاستعمال، كأوقات الدخول إلى المخازن و غيرها، و من بين هذه المخازن الجماعية بإقليم بني ملال نذكر منها ( أوجكال ) التي تقع على ضفاف وادي عطاش، تفصلها عن بوتفردة حوالي 5 كلم. و للتوجه إليها، ينبغي أولا الوصول إلى مدينة القصيبة التابعة لإقليم بني ملال، ثم التوجه صوب أغبالة، لكن قبل 15 كلم منها، ينبغي السير في طريق املشيل مسافة 15 كلم أخرى لتنعطف صوب جماعة بوتفردة، مع الإشارة إلى أن هذه الطرق كلها معبدة و ليس بها عوائق، ما عدا الكيلومترات الخمسة الأخيرة الفاصلة بين بوتفردة و الموقع، فإن الزائر يكون مضطرا للسير على الأقدام، غير أنها مستوية و دون عقبات، تتخللها مناظر طبيعية تبهر العقل .

 

الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للمخازن

أفاد أحد الباحثين في الميدان الثقافي “المغرب 35″، أن هناك دراسة كافية لمخازن أوجكال، و الاطلاع على الأدوار التي لعبتها في تاريخ قبائل ( آيت عبدي ) طيلة قرون ستسلط الأضواء على بعض قواعد التنظيم الاقتصادي و الاجتماعي و الحربي لقبيلة نموذجية حاولت استثمار الإمكانيات الطبيعية المتاحة لبناء هرم معماري منيع، و بالرغم من أن هذه المخازن قد كفت عن أداء و وظائفها منذ حوالي 1977، فإنها ما تزال شاهدة على العبقرية في المعمار و التخطيط، كما أن العرف الذي كان سائدا في تنظيم استعمال هذه المخازن، يعتبر خير دليل على رقي العلاقات الاجتماعية داخل قبيلة (آيت عبدي) التي تنتمي إلى (آيت سخمان)، عاشت قرونا طويلة على الارتحال طلبا للكلأ للماشية و خصوصا عند تساقط الثلوج إبان الشتاء، كما خاضت حروبا عديدة ضد القبائل المجاورة، مما يجعلها في أمس الحاجة إلى اتباع استراتيجية الادخار ، حيث كانت تضع في هذه المخازن إضافة إلى الحبوب كل الأشياء الثمينة، لذلك تلاحظ بأن الاعتقاد السائد لحد الساعة بأن هذه المخازن لا تزال تحتوي على كنوز قيمة من الذهب و الفضة، و للوصول إلى هذا الموقع لا بد من مساعدة مرشد من أبناء القبيلة، حيث يوجد هذا المخزن في جرف منيع على إحدى أطراف فج وادي عطاش، حيث ينقسم إلى قسمين ( أوجكال إمجكال ) أي المخازن المرتفعة و( أوجكال امزدار ) أي المخازن المنحدرة ، و يمكن الوصول إلى المخازن عن طريق درج بني بالأحجار التي تتخللها أخشاب لمنعها من الانزلاق ، عرض هذا الدرج حوالي متر، كما يوجد ممر هو عبارة عن تجويف في الجرف يصل عرضه إلى ثلاثة أمتار، و من هذا الممر يسهل على الحارس مراقبة كل شخص قادم و مباغتته إذا دعت الضرورة إلى ذلك، و يصل علو الجرف إلى حوالي 60 مترا، و يضم هذا الموقع مساكن صغيرة و مخازن.

مخازن أوجكال

فالمساكن تتميز بأبوابها و نوافذها كما توجد على جدرانها آثار دخان الطبخ، أما المخازن عبارة عن مربعات بفتحتين ، واحدة في الأعلى و تقوم بدور التهوية و الثانية في الوسط و الغالب أنها كانت تستعمل لإدخال و استخراج الحبوب، و يصل طول المخازن إلى 200 متر، و تتعرض لتيار هوائي بارد غير مشبع بالرطوبة و بصورة دائمة ، الشيء الذي يجعل منها تكييفا هوائيا طبيعيا للحبوب و المواد المخزنة .

 

البعد الخرافي و الأسطوري للمخازن

نظرا للتفرد في طريقة المعمار بالنسبة لهذا الموقع ، فإن البعد الخرافي و الأسطوري ، قد تم تداوله حول هذه المخازن، فحسب تقرير صدر بخصوص هذا الموقع الأثري فإن بعثة (فرنسوا شاليمو) استندت على الرواية الشفوية للأهالي للقول بأن المخازن كانت محروسة من طرف الأفاعي التي كانت تقتات على الفئران الموجودة بكثرة فيها ، و أن حارس المخازن وحده الذي كان يمتلك سر التواصل مع هذه الأفاعي.

كما أن (شارل دوفوكو) انتبه إلى هذه الظاهرة عند مروره بالمنطقة ليقول: “لقد أثارت انتباهي بعمقها و علوها، إلا أنها تقريبا كلها صعبة المنال، لذا فإن الخرافات الأكثر غرابة تسري حولها، تبدو هذه المساكن الخارقة للعادة أمورا عجيبة بقدر ما تبدو الفن البخارية أو السكك الحديدية عجيبة بالنسبة لسكان هذه المناطق”.

كما أن سكان المنطقة يقولون بأن هذه المخازن هي في حماية آيت أوجكال أي الأرواح ، مما يضفي عليها هالة من الغرابة و الغموض، تزكيها أسراب الغربان بنعيقها المستمر، حيث اتخذت من تجاويفه أوكارا لها، كل هذه الأشياء جعلت بعض القبائل تسارع إلى زيارة المخازن تبركا بها و تقربا من الجن الذي يحرسها، و هذا ما يفسر احتفاظ هذه المخازن بأغلب معالمها الأساسية و مكوناتها الرئيسة.

مخازن أوجكال

مخازن أوجكال لعبت دورا استراتيجيا في المقاومة الباسلة لقبائل آيت سخمان، أثناء الاحتلال الفرنسي للأطلس، حيث كانت محطة خلفية للتموين و تخزين العتاد و السلاح، و لم تعد وقفا على قبيلة آيت عبدي، بل استفادت منه أغلب القبائل المجاورة، لذا أصبح لزاما تصنيف هذه المخازن باعتبارها تراثا وطنيا، و الدفع بملفها صوب المؤسسات الدولية لكي يتم تصنيفها تراثا إنسانيا، و كذا العمل على إجراء بحث اثنوغرافي حول هذا الموقع و المنطقة المتواجد بها ، إضافة إلى وضع علامات طرقية تشير إلى الموقع و تسهل عملية الوصول إليه.

 

كمال عسو