وجد بنك المغرب في مفترق طرق أمام تطور سوق الأصول المشفرة عبر العالم. فهو يتعامل بحذر مع الموضوع. ويرصد تعامل البنوك المركزية الأخرى للوصول إلى موقف يأخذ بعين الاعتبار كل التحديات المطروحة.

وفي إطار مقاربة استشرافية، كان بنك المغرب قد أحدث، سنة 2021، لجنة مكلفة بدراسة جدوى إصدار عملة رقمية للبنك المركزي وكيفيات الإصدار وتداعياته. وقد أطلق البنك المركزي، على إثر ذلك، عمليات للتشاور واسعة النطاق وشكل مجموعات عمل فرعية لعقد اجتماعات مع هيئات دولية من أجل إحاطة أفضل بهذه الإشكالية.

ويدرس بنك المغرب في هذا الصدد التحديات المتعلقة بإصدار عملة رقمية بالجملة موجهة إلى وسطاء المالية. وفي مرحلة أخرى موجهة إلى العموم بعد دراسة الأهداف التي يمكن أن تحققها والمخاطر المرتبطة بها وأثر على المنظومة المالية بصفة عامة.

وباتت خطوة المغرب في هذا الاتجاه متقدمة، حيث يجرى حاليا الانتهاء من مسودة مشروع قانون بخصوص العملات المشفرة. سيتيح لمنصات تداول هذه العملات الحصول على تراخيص للعمل في المغرب تحت مراقبة وإشراف من بنك المغرب.

تغيّر موقف العالم من الأصول المشفرة

وقد استحضر بنك المغرب أهمية هذا الموضوع في التقرير السنوي برسم 2021 المرفوع إلى الملك محمد السادس الأسبوع الماضي. حيث أشار فيه إلى أن السنة الماضية تميزت بتسارع كبير في تطوير وتبادل الأصول المشفرة. حيث تضاعفت قيمتها أربع مرات تقريبا بين نهاية 2020 ونهاية 2021 لتصل إلى ما يقرب ثلاثة آلاف مليار دولار.

هذا التطور دفع البنوك المركزية عبر العالم لتغيير موقفها من العملات المشفرة. إذ بالرغم من أن أغلبها كان معارضا لهذه الأصول في البداية إلا الاتجاه حاليا يسير نحو إصدار التفكير في إصدار عملة رقمية لمواكبة الموجة.

وتفيد معطيات بنك التسويات الدولية، الذي يجري استقصاءً سنوياً حول هذا الموضوع. بأن 90 في المائة من البنوك المركزية المستجوبة في نسخة 2021 أعلنت أن لديها مشاريع في مراحل متقدمة من أجل دراسة جدوى إحداث عملة رقمية للبنوك المركزية.

وكانت نسبة البنوك المركزية المهتمة بالأصول المشفرة لا تتعدى 65 في المائة سنة 2017. قبل أن ترتفع إلى 86 في المائة سنة 2020. بعدما كان البنك المركزي للأوروغواي سنة 2014 هو الوحيد الذي شرع في التفكير في هذا الموضوع.

وقد ساهم الوعي بتداعيات هذه العملة على الأداءات العابرة للحدود في تعزيز التعاون بين البنوك المركزية من أجل تحديد محاور سياسة مشتركة لتدبير هذه العملات المستقبلية الجديدة. وبات صندوق النقد الدولي يولي ذلك اهتماماً أكبر.

العديد من البنوك المركزية وصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة بهذا الشأن. حيث تقوم باختبارات ميدانية لعملية رقمية للبنك المركزي بالتجزئة موجهة للعموم.

البنوك المركزية تقوم بخطوات عملية

وفي هذا الصدد، أطلق البنك المركزي للصين عملته الرقمية e-CNY في مناطق تجريبية. كما وصل البنك المركزي السويدي إلى مرحلة إثبات المفهوم بخصوص عملته الرقمية E-Krona. فيما أطلق البنك المركزي للباهاماس عملته Sand Dollar في أكتوبر 2020. وفي نهاية السنة الماضية، أطلق البنك المركزي النيجيري عملته eNaira.

ويستحضر بنك المغرب في اهتمامه بهذا الموضوع الإمكانات المتاحة عبر العملات المشفرة من حيث الابتكار والشمول المالي وتقليص التكاليف وآجال المعاملات. ناهيك عن تحسين عملية اتخاذ القرار في مجال السياسة النقدية وتخفيف التكلفة المالية وتقليص تأثير العملة الائتمانية على البيئة والمساهمة في مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.

في المقابل، لا يزال البنك الفيدرالي الأمريكي، أبرز بنك مركزي في العالم، يواصل التفكير في جدوى إحداث عملة رقمية والفائدة منها من حيث تحسين نظام الأداء. خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن نظامها فعال ومؤمن.

وتعكس تساؤلات البنك الفيدرالي الأميركي حذر بعض البنوك المركزية من تداعيات هذه العملة. لا سيما على الاستقرار المالي وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي أو حتى محاربة تمويل الأنشطة غير المشروعة. والتي تظل في جزء منها مصدر شكوك.

البنك المركزي الأوروبي هو الآخر بقي حذراً. لكنه بدأ، في شهر يوليوز من السنة الماضية، في مرحلة بحث حول مشروع إحداث أورو رقمي ستدوم سنتين. وصرح البنك ذاته بأن هذا المشروع لا ينطوي على إمكانية اتخاذ أي قرار مستقبلاً حول احتمال إصدار هذه العملة. وهو ما يجسد الحذر الكبير.

 

عن هسبريس