دأبت وزارة  الشباب والثقافة والتواصل ( قطاع الشباب) على تنظيم دورات تكوينية لفائدة أطر المخيمات التربوية المنتمية الى المنظمات والجمعيات التربوية المهتمة بمجال التخييم و أطر العمل التربوي المباشر.

وإذا كانت هذه التداريب التكوينية، قد أفرزت تراكمات معرفية وبيداغوجية مهمة، فإن الآراء الفاعلين في الميدان التربوي قد اختلفت حول مضامينها ومدى مواكبتها للتطورات التربوية و المجتمعية. فهناك من المتابعين و المهتمين من اعتبر أن محتويات هذه التكوينات قد تمكنت من التلاؤم مع التحولات البيداغوجية والتربوية وطنيا ودوليا، من خلال ادخال تصورات جديدة على المشاريع البيداغوجية واعمال اتفاقية حقوق الطفل والتي أصبحت ضرورية للمكون في تعامله مع فئتي الأطفال  واليافعين وهي التجارب التي يعود الفضل فيها الى الجمعيات الوطنية التاريخية منذ أكثر من عقود ، وتبنتها الوزارة ( خاصة ما يتعلق بفئة اليافعين).

المخيمات

وبالمقابل ترى مجموعة أخرى، أن وضع التداريب التكوينية التي شكلت عبر التاريخ  مشتلا تخرجت منه أفواجا من الأطر المغربية كان لها شأن في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية والمدنية، عرف تراجعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، نتيجة إعادة نفس المضامين، وضعف بعض المكونين وابتعاد العديد من الأطر الفاعلة عن المساهمة في هذه التكوينات، خصوصا من متطوعي الجمعيات الذين يشكلون نسبة مهمة وفاعلة في هذه العمليات التربوية.

وإذا كان عدد المستفيدين قد تضاعف بمتواليات هندسية، بفعل ارتفاع عدد الأطفال المستفيدين من المخيمات الذي انتقل من أقل من50 ألف الى أزيد من  200 ألف مستفيد، الأمر الذي فرض الرفع من عدد التداريب . الا أن ذلك لم يرافقه تطورا من ناحية  المضامين والمناهج وتحديثها الا بنسبة ضعيفة مما كان له كبير الأثر على منسوب جودتها، على الرغم من الإقرار بأن سلسلة التكوين  التربوي من التدريب التحضيري الى الحصول على دبلوم مدير مخيم ، تساهم في تهييئ عدد من المؤطرين و المؤطرات.

ضعف المحتويات

لكن رغم ذلك، يمكن تسجيل بعض الملاحظات منها:

– قلة المؤطرين التربويين للتداريب، في العطل المدرسية ،حيث لا يلتحق عدد كبير من المؤطرين خصوصا المتطوعين الجمعويين الذين راكموا تجارب مهمة  نظرية وتطبيقية، وهو ما يضعف هذه التداريب ويجعل الضغط على عدد قليل من المؤطرين خاصة من موظفي الوزارة، وهو ما يجعل تداريب بها عدد كبير من المتدربين يجرى تأطيرها من طرف شخص او شخصين فقط.

– عدم توفر ظروف العمل في بعض المراكز ( ضعف البنية التحتية، مشكل التغدية، أدوات العمل التربوية والبداغوجية).

– عدم تنظيم التكوين المستمر واعادة التكوين لمواكبة التطورات والمستجدات  في الساحة التربوية، مما يؤثر على مستوى التأطير.

– غياب اللقاءات التقييمية  للتداريب للتعرف على الإكراهات والعوائق التي تعترضها ومحاولة تجاوزها.

– عدم مساهمة المؤطرين التربويين سواء الجمعوين او الموظفين في وضع التصورات الخاصة بالتكوين في مجال المخيمات التربوية.

إن واقع التكوين في مجال التخييم ، يتطلب البدء بفتح نقاش حقيقي من أجل تطوير مناهج وآليات التداريب في مجال المخيمات التربوية، مع العلم أن الفاعلين في الحركة التربوية، استبشروا خيرا بعد طرح “مشروع جديد للتكوين” من طرف الوزارة، الذي تزامن مع استئناف التداريب التكوينية الخاصة بمؤطري المخيمات الصيفية خلال عطلة ربيع 2023، بعد توقف ناهز خمس سنوات ضمنها ثلاثة سنوات بسبب جائحة كوفيد 19.

المخيمات

وانتظر المهتمون بشأن التخييم أن يكون لهذا المشروع دورا في الدفع بالبرامج التكوينية واصلاحها وتحديثها وفتح آفاق أرحب في مجال التكوين والتنشيط. وبادر قطاع الشباب للوزارة بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم إلى تنظيم لقاء وطني ضم العديد من المسؤولين والكفاءات على المستوى الوطني، تميز بإقامة ورشات شملت الجوانب البيداغوجية والتربوية والادارية والقانونية في مجال المخيمات، لتعقبها لقاءات على صعيد الجهات لتنزيل مخرجات هذا اللقاء، بحضور بعض المؤطرين في مجال التخييم استعدادا لتأطير تداريب عطلة الربيع لمدة ستة أيام.

لكن يبقى السؤال الى أي حد استطاعت هذه المبادرة الجديدة، تحقيق الانتقال بمجال التكوين من مرحلة عرفت عدة تعثرات الى مرحلة قيل أنها ستكون نوعية وتفتح آفاقا  أكثر تطورا وابداعا وانفتاحا على سابقتها؟

ملاحظات واقتراحات

فعلى الرغم من تسجيل أن المبادرة الجديدة في حد ذاتها تبقى ايجابية لكون الوزارة والجامعة، تجاوبتا مع المطالبة بضرورة ادخال اصلاحات على المنظومة التربوية التكوينية لتداريب المخيمات الصيفية من أجل تطويرها ووضع تصورات مستقبلية، فإنه يلاحظ وقوع بعض الهفوات التي صاحبت بداية هذا المشروع الذي لم يكتمل بعد.

الملاحظة الأولى : هو أن هذا المشروع تم انجازه بسرعة فائقة ولم يتسنى مناقشته وابداء الرأي فيه من طرف الفاعلين في الميدان التربوي، بشكل قد يجعله أكثر قبولا ومصداقية، وشرعية.

الملاحظة الثانية: ان المتصفح لدليل المدرب ( المنشط التربوي) الدرجة الأولى فئة الأطفال من أجل نيل الأهلية البيداغوجية، يلاحظ أن العروض النظرية المقترحة معظمها  هي نفسها التي كانت مبرمجة في التداريب التكوينية السابقة (التحضيري- التكويني -المديرين – الاختصاص).

الملاحظة الثالثة : لقد تم انجاز عروض خاصة بالأطر من أجل تقديمها للمتدربين، مما يطرح تساؤلا عريضا حول دور الاطار المكون في البحث والتنقيب على المواضيع المطروحة. وهو ما لوحظ ان نفس العروض  نفسها تعاد في عدة تداريب باستثناءات قليلة يقوم المؤطر التربوي بالاجتهاد فيها وتطويرها.

الملاحظة الرابعة : بعض العروض، تم تقديمها في التداريب بدون ذكر أسماء أصحابها.

 

الملاحظة الخامسة: إذا كانت عدة كفاءات شاركت في التداريب خصوصا من الشباب فان عددا آخر تم تهميشه رغم مساهماته المعتبرة في هذا الميدان.

تكوين في ستة أيام

الملاحظة السادسة: ستة أيام مدة التكوين، غير كافية، مع العلم أن يومين يقتطعان من هذه الفترة (الدخول والخروج) .

الملاحظة السابعة: لا شك أن التسرع في اعداد “المشروع الجديد للتكوين” وإن كان لا يختلف كثيرا عن القديم إلا في بعض الجوانب الشكلية، بفعل ضرورة تهييئ أطر المخيمات الصيف المقبل

كان يفرض أن تكون الاستعدادات لتهييئ مؤطري الدرجة الثانية والثالثة، أكثر نضجا ومسؤولية لكون أن الفئات العمرية 15-17 سنة ( اليافعين) والشباب 18-24 سنة تستلزم التهييئ الجاد والمفكر فيه بشكل كبير لهذا العمل، والاستعانة بأكاديميين ومؤطرين مقتدرين لهم تجربة كافية في التعامل هذه الفئات العمرية، لكي تكون التداريب المستقبلية في المستوى الذي يطمح له كل غيور على الشأن التخييمي.

ان هذه الملاحظات الأولية لا يعنى تناسي مجهودات بعض الأطر سواء المنتمين لقطاع الشباب او الجمعيات، لأن الهدف من متابعة شأن التخييم هو المساهمة في الارتقاء به حتى يكون في مستوى التطلعات، ويحظى بالمزيد من الاهتمام، وينأى به عن كل موسمية التي تجعل منه نشاطا ثانويا يفتح قبل فصل الصيف ويقفل مع فصل الخريف.

 

عبد المغيث المحافظ

فاعل تربوي