بعد أن أثير النقاش بخصوصه، على مدى واسع، لأشهر طِوال، خفت لهيب “النموذج التنموي الجديد”. وقليلا ما بات هذا الاسم يتداول في تقرير أو نقاش عمومي. وكأنه لم يُشكل يوما أحد أهم مُرتكزات “الانطلاق نحو مرحلة جديدة، للمضي قدما بالمشروع المجتمعي التنموي بالمملكة المغربية. بقيادة جلالة الملك محمد السادس، والنهوض بالمغرب في أفق 2035 باتجاه بلوغ مرتبة الريادة والصدارة على الصعيد الإقليمي”.

منذ مضي مرحلة الانتخابات الأخيرة، وصعود الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، أصبح عدد من المتابعين للشأن العام المغربي. يؤكد “تغييب توجهات النموذج التنموي الجديد، باستثناء بعض المشاريع التي تحظى بالعناية المباشرة للملك محمد السادس. من قبيل مشروع الحماية الاجتماعية والتي تعتبر من التوجهات استراتيجية للدولة”. الشيء الذي يفتح الكثير من الاستفسارات.

هل أخفقت حكومة أخنوش في تنزيل النموذج التنموي الجديد؟

حسن بلوان، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، يرى أنه قد “مر أزيد من عام على تقديم تقرير النموذج التنموي الجديد إلى الملك محمد السادس الذي كان شاملا في تشخيص الواقع التنموي. وواعدا في نفس الوقت لتقديم الحلول مما شجع معظم الأحزاب (خاصة في التحالف الحكومي الحالي) إلى تبني مضامينه واتخاذها برامج انتخابية في شتنبر الماضي”.

وزاد بلوان، في حديثه لـ”الأيام 24″ أن “الهندسة الحكومية اقتضت التماهي مع هذا الخيار، من خلال إعادة النظر في تسمية بعض الوزارات ومهامها تحقيقا لمسعى الدولة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية” مشيرا أنه “من الصعب الحديث عن نجاح أو إخفاق الحكومة في تنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد. دون فصلها عن التحديات والصعوبات المرتبطة بمؤشرات وطنية غير مشجعة وسياقات إقليمية متقلبة واضطرابات دولية مهددة للاستقرار السياسي والاقتصادي والتنموي”.

وكان النموذج التنموي الجديد قد رصد التحديات والأولويات. كما وضع تصورات للإنجازات والتوقعات وأيضا للتطلعات. وكان أعضاء اللجنة الخاصة للمشروع التنموي قد تفاعلوا مع أكثر من 20 مليون شخص عبر شبكات التواصل الاجتماعي. حيث استمعوا لمقترحات المواطنين التي لها علاقة مباشرة بجودة الخدمات العامة وبترسيخ مبادئ الحكامة. وتعد قطاعات التعليم والصحة والنقل والتوظيف من أولويات واهتمامات المواطنين، فلماذا خفت لهيب الشرارة؟

حماس حُكومي و تحديات الواقع

يقول حسن بلوان، إن “الحكومة الحالية، لا شك أنها تحمست لمضامين النموذج التنموي الجديد. وتيسرت لها جميع ظروف النجاح، من أغلبية مريحة وتشجيع ملكي ودعم شعبي ومشروعية انتخابية. لكن مع الأسف بدأت عوامل الضعف تظهر منذ بداية تشكيلها رغم الاجتهاد في اختيار بروفايلات الوزراء المشاركين فيها، وهو ما انعكس بصورة سلبية على تنفيذ مجموعة من المشاريع الواعدة التي جاءت في النموذج التنموي الجديد”.

“أولت الحكومة أولوية كبيرة لقطاعي الصحة والتعليم، حيث حاولت الاستثمار في العنصر البشري. وإعطاء الأولوية للتغطية الصحية والاجتماعية لجميع المغاربة” يضيف المحلل السياسي في حديثه لـ”الأيام 24″. مردفا أن الحكومة “اصطدمت بتداعيات التحديات الثلاثة، المحددة في استمرار تداعيات كورونا، والجفاف، ثم الحرب الأوكرانية”.

وبحسب بلوان، فإن كافة الأحداث الراهنة، التي وصفها بـ”التحديات الثلاثة”. كانت كفيلة بـ”تغيير بوصلة التنمية والتأثير على التنزيل الجيد للنموذج التنموي الجديد. وجعل من الحكومة حكومة إطفاء الحرائق الاجتماعية الناتجة أساسا عن أزمة الطاقة العالمية. وغلاء الأسعار وتزايد الأعباء المالية على الدولة”.

أما بخصوص حديثه عن مكامن التوفيق والقصور لدى حكومة عزيز أخنوش، يؤكد بلوان، أن الحكومة “نجحت بفضل مضامين النموذج التنموي الجديد في أن تكون لها أهداف واضحة، ترجمتها في البرنامج الحكومي، ومن السابق لأوانه أن نتحدث عن نجاح تام أو فشل مطلق. دون انتهاء الولاية الانتدابية للحكومة الحالية التي تحتاج إلى تعديل حكومي ضروري”.

“أخفقت الحكومة في تنزيل رهان الحكامة الرشيدة كخيار أساسي ركز عليه النموذج التنموي الجديد. مما اضعف مجموعة من القطاعات الحكومية المتداخلة وتضخم المهام من خلال الجمع بين الوزارة وتسيير مدن كبرى” يضيف المحلل السياسي. مردفا أن الحكومة “أخفقت كذلك في إشراك المواطنين والمجتمع المدني في تعارض تام مع مضامين النموذج التنموي الجديد الذي ركز على الديمقراطية التشاركية. كداعم أساسي للديمقراطية التمثيلية خاصة وأن المنظومة القانونية المغربية تزخر بقوانين متقدمة على مستوى الإشراك والتشارك”.

ويختم بلوان، في حديثه لـ”الأيام 24″ أن الحكومة “أخفقت في بناء منظومة تواصلية مع المواطنين. مما أفقدها الزخم الذي نالته أثناء وبعد تشكيلها. و هذا مرتبط بأسئلة حارقة تضرب في العمق كفاءة بعض الوزراء، خاصة وأن النموذج التنموي الجديد ركز على مغرب الكفاءات”.

 

عن موقع الأيام 24