اليوم الأربعاء 22 دجنبر، تحل ذكرى سنة من إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية، هذه العلاقات التي و إن عادت في سياق مسلسل للتطبيع مع إسرائيل من قبل دول عربية بعضها من منطقة الخليج التي كان الكثيرون لسنوات يظنونها بعيدة عن هذا المسار، لكن السلام الإبراهيمي شملها لتفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية

 

لكن في السياق المغربي، الأمر مختلف تماما، فالأمر لا يتعلق هنا بتطبيع، بقدر ما يتعلق بإعادة علاقات كانت من قبل وانقطعت لأسباب سياسية، و بالضبط بسبب القضية الفلسطينية

وزير الخارجية ناصر بوريطة، كان في إحدى المؤتمرات الصحيفة عقب توقيع اتفاقيات إعادة العلاقات مع إسرائيل قد قال بأن “التطبيع” مصطلح مشرقي، لا ينطبق على المغرب،

وزير الخارجية في إشارته تلك، وضع الإصبع على جرح عدم فهم طبيعة علاقة المغرب مع اليهود أولا، ومع دولة إسرائيل ثانيا.

فاليهود مكون ثقافي وتاريخي من مكونات المغرب، واليهود المغاربة في إسرائيل مرتبطون بوطنهم المغرب بشكل استثنائي، لا يوجد في أي بلد آخر من دول يهود إسرائيل، والمغرب عاملهم دائما على أنهم مواطنون مغاربة أولا، عكس دول عربية كانت تطبع جوازات مواطنيها اليهود بأختام تمنعهم من العودة، وتحرمهم من حقوقهم كمواطنين، وبالتالي لا تعترف بالمكون اليهودي كجزئ من هويتها.

هذا التفصيل وحده يستدعي التوقف عنده بتأمل، لفهم استثنائية الحالة المغربية في العلاقة مع إسرائيل.

الجديد اليوم في هذه العلاقة، هو كونها أعمق على المستوى السياسي والاستراتيجي، بشكل يسمح بتطوير جيل جديد من الاتفاقيات السياسية والعسكرية، تعكس روح هذه الشراكة، التي لا تعني بالضرورة تنازلا مغربيا عن الموقف من قضية القدس الشريف وحل الدولتين، وهو السقف الذي جائت به المبادرة العربية، والذي التزم به المغرب دائما، إضافة إلى موقفه الاستثنائي من قضية القدس الشريف، حتى أن الملك محمد السادس عشية إعلان عودة العلاقات، اتصل شخصيا برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وطمئنه أن المغرب لم يغير مواقفه الثابتة بهذا الصدد، وهو السلوك الذي تميز به المغرب بين الدول التي وقعت تفاهمات جديدة مع إسرائيل.

هذه العلاقة في حقيقتها ليست مجرد توقيع سياسي بين دولتين، ولكنه فرصة اقتصادية للمنطقة، ظهرت جليا في التعاون بين قطاعات حيوية بين البلدين.

قبيل الإغلاق الجوي بسبب أوميكرون، كانت أفواج من الإسرائيليين والمغاربة اليهود تتقاطر على المغرب، وظهرت حركية سياحية جديدة تعكس أن هذه العلاقات هي في الحقيقة أكثر من مجرد تفاهمات سياسية، فهذه الحركية السياحية، وذلك الارتباط الثقافي ليهود المغرب مع جذورهم، مشهد لا يتكرر في الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، تفصيل صغير يصنع الفرق، والذين لا يفهمون هذا البعد، هم الذين يضعونه في سياق تطبيع بنكهة تفاهم سياسي مرحلي، لا علاقة له بالأبعاد الثقافية والاجتماعية

في هذه الذكرى السنوية يجتمع وزير الخارجية ناصر بوريطة رفقة نظيره الإسرائيلي يائير لابيد، والأمريكي أنتوني بلينكن، عن بعد، عن طريق التواصل المرئي، في إشارة إلى أن هذا الحلف القوي الجديد، جاء ليبقى، وأن آثاره الاستراتيجية أعمق من مجرد مناورة سياسية من وحي المرحلة، ولعل أكبر ثمار هذا التحالف الجديد، هو تحريك جبل الجليد الذي كان يعيق حركة قضية الصحراء المغربية، والمتمثل في الابتزاز السياسي الذي كانت بعض القوى تمارسه ضد المغرب، وهو الأمر الذي لم يعد اليوم ممكنا، بل إن الدول التي حاولت الاستمرار في هذه الممارسة، فوجئت بمواقف ديبلوماسية مغربية قوية، جعلتها اليوم تعيد حساباتها في التعامل مع المغرب الجديد.

هذا المغرب الجديد ليس بسبب إعادة علاقته مع إسرائيل، العكس هنا صحيح، فالعلاقة مع إسرائيل عادت لأن هناك مغربا جديدا، قادرا على ترويض علاقاته بشكل حر ومستقل، فالمغرب حين يقف بحزم في وجه ألمانيا وإسبانيا، وحين يتجاهل ديبلوماسية التصابي الجزائرية، وحين يتحدث لإسرائيل بحزم حول وضع القدس الشريف، فهو بلد يعود لأصله القديم، كمملكة قوية.،وقوة لها رمزيتها وذات سيادة على قرارها

ورغم أن المغرب لم يتملص من التزاماته الدولية خصوصا إزاء فلسطين، إلا أن هذه الشراكة الجديدة تقول اليوم بلسان واضح المغرب أولا