مصطفى المنوزي..الاتحاد و أفق 2026 ..هل سمعة الدولة ومصير الوطن مرتبطان بخلود الفعل الحزبي؟

جوابا على مطلب تجديد النخب، بادرت مؤسسة من أهم آليات المحاسبة والحكامة ، وهي المجلس الأعلى للحسابات إلى نشر تقرير يبرز جانبا من ممارسة يعتبرها شاذة، ليس عن سياق إحترام القانون، ولكن في علاقة المزاولة الحزبية مع دفتر التحملات المصاغ عبر تاريخ التسويات المبرمة بأسقف متدرجة منذ، على أقل تقدير، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بين القصر ومن تبقى من القيادة التي أفرزها المؤتمر الوطني الرابع للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، والمنعقد في ظل ظروف سياسية وتنظيمية خاصة ، تختلط فيها الأسباب والنتائج والمسؤوليات ، وتبرز فيها التداعيات في صيغة مفارقات، من بينها توتر علاقة القيادة التنفيذية للحزب ( الكاتب الأول على الخصوص ) مع الدولة ( القصر خاصة ).

هذه العلاقة التي كانت أحد الأسباب المباشرة لما حصل في إجتماع الثامن من ماي 1983 ؛ ومانتج عنه من مشروع قطيعة توجت بعد عقد من الزمن ” الحزبي ” بالقطيعة التنظيمية، فتحولت التناقضات الثانوية داخل الحزب إلى رئيسية ؛ استحال معها إصلاح ما يمكن إصلاحه ؛ وكانت محطة المؤتمر الوطني الخامس للحزب سنة 1989 غنية بالدلالات والمؤشرات .

ظل الحزب يحمل معه بوادر إنشقاقات أخرى ، نزلت خلفيات الصراع من المستوى الفكري الإستراتيجي إلى درجة صار المهيمنون ” سياسيا ” على التنظيم والأجهزة هم المتحكمون في مسار الحزب وخياراته ؛ وتم اختزال استراتبجية النضال الديموقراطي في مجرد تكتيكات انتخابية ، توجت بخيار المشاركة السياسية في حكومة إئتلافية ، سميت إعلاميا ” حكومة التناوب التوافقي ” بقيادة حزب قضى نصف قرن في المعارضتين ( المتوازيتين ) المؤسستية والجذرية.

هذه التجربة التي لم تصمد أمام قوى المحافظة ومقاومة التغيير ، وبنفس القدر ظلت بوادر التوتر تتناسل إلى أن انعقد مؤتمر الحسم السادس ، فانسحب تيار النقابة وشكل حزبه الخاص به ، كما إنشقت قيادة الشبيبة والنخبة المساندة لها ؛ فكانت مؤشرا على ضعف حلقة تيار اليوسفي ، تم إستغلاله للانقلاب بسهولة على ما سمي بالمنهجية الديموقراطية ، والذي هو في العمق إنقلاب على ميثاق تم نقضه ، يتعلق بتسوية سياسية غير معلنة بين العاهل الراحل والمجاهد ، تسوية لم يبرز من مقتضياتها سوى ضمان إنتقال سلسل للحكم من ملك إلى ملك ، وهو التناوب الوحيد الذي حصل من والد لولده . ليطرح السؤال حول رد فعل الحزب بعد رحيل الوزير الأول من الحزب والوطن ، دون تكريم أو محاسبة ! وبأي شروط واصلت الخلافة الحضور داخل حكومة جطو ؟.

وهنا أسمح لنفسي باستنتاج يغني ( مؤقتا !!) عن البحث في أسئلة أعمق ؛ مرتبطة بالحالة التي وصل إليها المشهد الحزبي ؛ بل بلغته الدولة نفسها ! لذلك لا أخفي شعوري القوي بأن الدولة حاولت ولا زالت ، خلال العهد الجديد ، طي صفحة الماضي ، ولكن بالقطع فقط مع الحركة الإتحادية ، كتاريخ وكمشروع مجتمعي ؛ ولا تهمها كينونة حزب القوات الشعبية كتنظيم ونخبة سياسية ” وريثة “.

وهنا وجب التمييز بين ورثة الحزب وبين ذوي الحقوق التاريخية والسياسية ؛ فرغم إيماننا بأن علاقة الحزب تاريخيا لم تخرج أبدا عن تاريخ توترات مصحوبة أحيانا بعنف وعنف مضاد ، وأحيانا يوازي خيار التسويات ؛ غير أن الحزب لم يبلغ أبدا مستوى قبول مساومته بالرشوة السياسية أو الريع ؛ رغم مبادرات العقل الأمني في هذا المجال ؛ وما محاولة وزارة الداخلية لتوريط الحزب في عملياتها التدليسية خلال بعض الإستحقاقات ( التشريعية على الخصوص ) ، من خلال تزوير النتائج لفائدة ” بعض الأطر ” المفيدة ل”” السلم الإجتماعي ” ، طبعا دون تناسي الإختراقات التي تمت على مستوى ” العمل الجماعي / الترابي ” ، والذي كان فرصة وتمكينا للإثراء والإرتقاء ؛ وهو في جميع الحالات لم يكن متافقما كما هو عليه الحال اليوم .

إنه ازدهار في سياق تدشين دولة الرخاء ، ولم يعد أي رهان ” مطلق ” في العلاقة مع مطلب التصحيح أو الإصلاح ؛ اللهم بعض الرجاء والتمني أن يتم إنقاذ حلم المغاربة من الإجهاض ، على الأقل في قطاعي العدل والأمن ، باعتبارهما قلاع ينبغي المزيد من التحصين من عدوى الفساد والإختراق . صحيح هناك مبادرات من الدولة في هذا الإتجاه ، ولكن لا ينبغي إختزال الإصلاح في مجرد تهذيب أوتشذيب أغصان الفساد ، بل لا مناص من إستئصال مظاهر الإستبداد وجذور الإفساد ، وهذا لن يتأتى سوى بسن استراتيجيا عدم الإفلات من العقاب ، ولأن للقضاء حاسم في التخليق ؛ فإنه يطرح بإلحاح مطلب تأهيل السلطة القضائية بمزيد من إستقلالها عن السلطة التنفيذية وكافة السلطات الموازية ، من إعلامية ومالية وسياسية .

أما عن فرضية بحث الدولة عن بدائل من نفس العينة ؛ فظني أن العقل الأمني لا يفكر تكتيكيا لحاضر العهد الجديد فقط ، ولكن بدرجة أقوى في مستقبل أي إنتقال لم تعد فيه أية قوة توازي حجم الإتحاد الإشتراكي يوم كانت له إمتدادات في العمل الجماهيري والمؤسساتي والعلاقات الدبلوماسية ؛ لذلك وجب التفكير الجماعي ليكون الكل مشاركا في أي تحول ولو بالرقابة أو المتابعة النقدية ؛ فالأمر تجاوز أسئلة مصير الأحزاب في العلاقة مع مطلب الديموقراطية ، إلى أسئلة حيوية مرتبطة بالكينونة العظمى للوطن وموقعها في الخريطة العالمية ، في ظل التحولات المترددة أو المستحيلة.