أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي برسم 2019 و 2020. و قدّم فيه حصيلة اشتغاله خلال هاتين السنتين.

و أكثر ما يُميّز تقارير المجلس الأعلى للحسابات أنّها تقدّم معطيات رقمية دقيقة تكشف بعض مناحي التدبير للعديد من القطاعات العمومية و الملفّات و الخروقات التي تشوبها. و خصوصا تلك التي تلامس المعيش اليومي للمواطنين . و سنقدّم في “lemaroc35” قراءة لهذا التقرير و ما تضمنّه من معطيات على حلقات.

و هكذا فقد أصدرت المحاكم المالية، و هي هيئات تابعة للمجلس الأعلى للحسابات، خلال سنتي 2019 و 2020 ، ما مجموعه 287 حكما وقرارا في مادة التأديب المالي.  تم بمقتضاها الحكم على الأشخاص المتابعين، والذين ثبت ارتكابهم لمخالفات مستوجبة للمساءلة في هذا المجال، بغرامات بلغ مجموعها 5.228.700,00 درهم. كما تم الحكم في بعض الحالات، بإرجاع مبالغ الخسارة التي تسببت فيها بعض المخالفات للأجهزة المعنية بما مجموعه 1.338.237,05 درهم .

مساهمة الوزراء في القضايا المالية “محدودة”

و جاء في التقرير بأنّه “يُلاحظ أن جميع طلبات رفع القضايا خلال سنتي 2019 و 2020 ، كان مصدرها سلطات داخلية بالمحاكم المالية”. أما مساهمة السلطات الخارجية عن المحاكم المالية في إثارة الدعوى القضائية أمام هذه المحاكم فقد ظلت “محدودة”. كما جاء في التقرير.  إذ لم تتجاوز الطلبات الصادرة عن الوزراء نسبة 4% من مجموع الطلبات الواردة على النيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات. في حين لم يصدر عن السلطات الأخرى المؤهلة، والمحددة في المادة 57 من مدونة المحاكم المالية، أي طلب في هذا الشأن.

وتسري هذه الملاحظة، كذلك على القضايا الرائجة أمام المجالس الجهوية للحسابات. إذ توزعت طلبات رفع القضايا الموجهة إلى السادة وكلاء الملك لدى هذه المجالس بين تلك الصادرة عن رؤساء المجالس الجهوية للحسابات على إثر مداولات هيئات هذه المجالس.  سواء في إطار التدقيق والبت في الحسابات أو مراقبة التسيير بنسبة 68 % . وتلك الصادرة عن وزير الداخلية استنادا إلى تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية  بنسبة 32 %.

و ببحث سريع في مدونة المحاكم المالية المحيّن الصادر سنة 2016، المادة 57 تؤكّد بأنّه بإمكان  الوكيل العام للملك أن يرفع القضايا من تلقاء نفسه أو بطلب من الرئيس الأّول أو من إحدى الهيئات بالمجلس.
ويؤهل كذلك لرفع القضايا إلى المجلس بواسطة الوكيل العام للملك، بناء على تقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة كلّ من :

– رئيس الحكومة
– رئيس مجلس النواب
– رئيس مجلس المستشارين.
– الوزير المكلف بالمالية.
– الوزراء فيما يخص الأفعال المنسوبة إلى الموظفين أو الأعوان العاملين تحت سلطتهم. وفيما يخص الأفعال المنسوبة إلى المسؤولين و  الأعوان بالأجهزة المعهود إليهم بالوصاية عليها.

ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

تأتي هذه الارقام في ظلّ دعوة وزير العدل عبد اللطيف وهبي ل “منع” الجمعيات و المجتمع المدني من رفع دعاوى على المسؤولين السياسيين المشتبه فيهم في قضايا الفساد و سرقة المال العام. ففي خرجته في البرلمان قبل أيام، صرّح وزير العدل بأنّ متابعة قضايا المال العام  هو اختصاص حصري للدولة و لوزارة الداخلية تحديدا.

و بهذا نستنتج بأنّ 96% من القضايا المالية المرفوعة أمام المحاكم المالية للمجلس الأعلى للحسابات خلال السنتين كان بمبادرة داخلية من موظّفيه و قضاته. و بأنّ الحكومة و المنتخبين ساهموا بقدر ضئيل جدا في ملاحقة المشتبه فيهم في قضايا المال العام. رغم أنّ القانون يخوّل لهم و يعطيهم الحق في رفع ملفات شبهات الفساد أمام المحاكم المالية. فهل سيظلّ شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” شعارا يرفع حصرا أيّام الحملات الانتخابية؟ فهل بهذه الوتيرة سيحارب السياسيون “الفساد”؟