لم تدافع على لوبيات العقار ولا تجار المخدرات ولا ناهبي المال العام، ولا هم يحزنون. بل دافعت عن القانون وأغاضها تحكم السمسرة في ملفات أبناء الشعب ممن يفترض أنها بين أيادي آمنة.
التهويل الذي أخذته قضية التسجيلات، والتركيز على ثاء التأنيت دون غيرها من واو جماعة الذكور. المذكورين في الشريط بالاسم أو بالصوت. يدفع إلى التساؤل حول من يريد رأس عائشة؟
عائشة المرأة القاضية التي لم تراكم ثروراث رغم اشتغالها سنين و”منين” في مجال القضاء. عائشة المناضلة التي أسست جمعية قضائية للبوح والدفاع عن حقوق القضاة والقاضيات. عائشة وكيلة الملك والقاضية التي لم تصل شكاية واحدة ضدها إلى الصحافة طيلة اشتغالنا في هذا المسمى إعلاما مغربيا.
الأبحاث تسير في الاتجاه الصحيح وبسرعة قياسية، ويقودها رجلان، مسيرتهما النظيفة وخبرتهما الواسعة. بوأتهما المكانة التي يستحقانها. وأبانا على علو كعب في تفريد العقاب في نوازل الفساد. لا يحتكمون إلا إلى القسم الذي أدياه، والأمانة التي طوقت عنقهما.

لكن بعيدا عن الأبحاث لنعد إلى تركيب المشهد لقطة لقطة ونقرأ نفسية المتحدثين ونبرات الأصوات. لنقف جميعا على الكمين الذي استدرجت إليه سليلة الزاوية الناصرية، وانتصارها في مرافعة لم تهيأ لها، ودفاعها المستميث على القضاة ومن خلالهم على المحامين الشرفاء.

عائشة هي المطلوبة

تبدأ الصورة الذهنية بلقطة سماعية لرنين هاتف مشوب بكلام غير مفهوم. ليدرك المتلقي، أن الأمر يتعلق بعملية تجسس، أو بتسجيل شخص دون علمه أو موافقته.
لا نبتعد عن الصورة فندرك أن الهاتف الذي يرن، يخص الأستاذة عائشة. فهي المطلوبة وليست الطالبة، ليبدأ جينيريك المشاهد بذكر إسم الأستاذة وتحيتها، لترد على التحية.
المفسدون يحتاطون ولا يتحدثون في الهاتف، كما أن حديثهم يركز على نقط وألغاز، في ثوان قصيرة، أما عائشة، فقذ أطنبت أذن طالبها، وعلمته من دروس التجارب، ومن أبجديات تأخير الملفات، ومما يحيط بالقضاة من مخاطر وجب عليه اتخاذ ما يلزم للابتعاد عنها والبقاء فوق الشبهة وليس تحتها.
حاول استدراجها إلى أنها “طلبت” فأوقفت كلامه وحددت قصدها، مصرة على تطبيق القانون. “جوج خرجو وجوج مازال وكون دفعو كون خرجو …”، أنا قلت تطبيق القانون، طلبات منهم جوج ونص للواحد”… حديث يرثي حال بعض من اتخذوا من مآسي الناس وسيلة للإثراء.
حرص المخاطب على ذكر صفات من “طلبوا” قبلها، إلا أنها أصرت على أنها لا تتدخل ولكن تنبه إلى ما يحيط بالقضية، وإلى والدتي المتهمين وحالتهما الاجتماعية، وإلى مفاوضات بينهما والمحامية.
القضية خطيرة والقاضي الذي كان يكرر أعوذ بالله تراجع ليساير الإيقاع بترديد تماما تماما عند كل جملة تقولها عائشة الناصري.
وتطول المكالمة ليتناول الكلمة رئيس الهيأة، ويقع ما يقع …
المتريث يدرك أن عائشة طولبت وردت على مكالمة، وأن جميع ما كانت تردده هو تطبيق القانون، ولم تتدخل في قناعة القضاة، بل تدخلت لحمايتهم مما يحاك بعيدا عنهم، فلو كانت لا تملك قلب الأم، ولا تتوفر على ضمير، لأساءت الظن بالهيأة، وأرشدت والدتي المتهمين إلى الرقم الأخضر، ولكان ما كان، ولكن لأنها ذات تجربة لم تصدق ما يقال عن زملائها، فآثرت النصيحة، لتأتي بعد ذلك الفضيحة، من صنع واحد من أعضاء الهيأة نفسها، ترى لمن سرب المكالمة؟ ولماذا استدرج عائشة للحديث وهل هناك في الضفة الأخرى من ينتظر التسجيل لغرض في نفس يعقوب.
العارفون بخبايا الأمور، يدركون أن عائشة صريحة ولا تخشى لومة لائم، وأنها تصدح بمواقفها علنا وليس سرا، وأن بعضا من مواقفها أنهت احتكار مناصب أو عجلت بانتهاء مسارات.
عائشة وإن أخطأت شكلا، فالمضمون كان درسا، وستبقى مرفوعة الرأس لأن تاريخها نقي وثرواتها في مواقفها وليست في حسابات بنكية أو عقارات لها أو لفروعها أو لأصولها…

المصدر كود