كشفت دراسة حديثة أن التوافق الإيجابي الذي تحقق بين النقابات والحكومة في أبريل من سنة 2022 لم يدم طويلا، لعدة أسباب، من بينها: عدم مبادرة الحكومة إلى تنفيذ بعض الالتزامات المتوافق عليها، أو بسبب عدم انخراط الفرقاء في تنزيل المقتضيات ذات الصلة بإقرار السلم الاجتماعي ومأسسة الحوار الاجتماعي على المستوى الترابي وإقرار السلم الاجتماعي، مبرزة أوجه قصور الفعل الحكومي في تنزيل مخرجات اتفاق 30 أبريل 2022.
ويأتي هذا القصور في تنزيل مخرجات الاتفاق الأخير رغم التنازلات التي قدمتها المركزيات النقابية المشاركة في الحوار الاجتماعي، ضدا على عدد من مكتسبات الطبقات الشغيلة في مختلف القطاعات العمومية والخاصة.
وفي هذا السياق اعتبر عبد الله اغميميط، عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن المركزيات النقابية الثلاث قدمت عددا من التنازلات للحكومة، المتعلقة بالرفع من الأجور والحق في الإضراب والتوظيف بالتعاقد بالإضافة إلى عدم مخرجات اتفاق الحوار الاجتماعي لسنة 2011.

وأوضح المركز البحثي، مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة ” في دراسته الحديثة “نقطة يقظة” ، حول موضوع “شعار الدولة الاجتماعية في الميزان – قراءة في حصيلة السنة الاجتماعية الأولى_أبريل 2022-أبريل 2023” في رصده لبعض من أوجه التأخر الحاصل في تنزيل مخرجات الميثاق الوطني لمأسسة الحوار الاجتماعي، باعتباره وثيقة مرجعية لمأسسة الحوار الاجتماعي بالمغرب، سواء تعلق الأمر بالتخلف عن إحداث المرصد الوطني للحوار الاجتماعي كفضاء لترسيخ الثلاثية، وأكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي. إضافة إلى عدم إصدار التقرير السنوي حول المناخ الاجتماعي والذي كان مبرمجا في مارس 2023، والتخلف عن هيكلة اللجنة الجهوية للحوار الاجتماعي واللجنة الإقليمية، والتي يناط بهما دراسة وضعية مناخ الأعمال ووضعية المناخ الاجتماعي جهويا وإقليميا.

وفي ذات السياق، علق غميميط، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، المنظوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن تراجع الفعل النقابي بالمغرب، خاصة بعد اللقاء الذي أجرته المركزيات النقابية الثلاثمع وفد من صندوق النقد الدولي، معتبرا أنه سابقة في تاريخ العمل النقابي، ولا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال، على اعتبار أن صندوق النقد الدولي يعد رمزا للإمبريالية المتوحشة وأن هذه المنظمة تملي قراراتها على الحكومة والباطرونا واليوم تعمل على استمالة النقابات التي من المفروض أن تدافع على حقوق الشغيلة.

وأبرزت الورقة البحثية للمركز المذكور والتي أعدها محمد طارق، أستاذ القانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – المحمدية – جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء، عدم تفعيل الحكومة عددا من المقتضيات ذات الصلة بتنزيل الاتفاق الاجتماعي لـ30 أبريل 2022، على مستوى القطاع الخاص، والذي ظل يعرف مشاكل بنيوية، اتفق الأطراف على معالجتها بشكل سريع وجذري، حيث لم تقدّم الحكومة أي عرض يهم تنفيذ الالتزامات المتعلقة بتيسير عمل المرأة، وخاصة الالتزام بتخفيض كلفة الأجر الخاص بالعاملات والعمال المنزليين لدى مشغليهم، كما أنها لم تتمكن من إنشاء 100 حضانة سنويا، التي التزمت بإحداثها لفائدة عمال وعاملات المقاولات، عبر تخصيص منحة لبناء وتهيئة وتجهيز كل حضانة، هذا دون إغفال فشل الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين معا في تحقيق تحدي 100 اتفاقية شغل سنويا على الأقل، حيث لم تتجاوز الحصيلة 16 اتفاقية شغل جماعية خلال هذه السنة الاجتماعية (12 اتفاقية خلال سنة 2022، و04 اتفاقيات خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2023).

وسجلت الدراسة بخصوص القطاع العام، الذي حضي بنصيب وافر من النقاش داخل لجنة القطاع العام المنبثقة عن اللجنة العليا للحوار الاجتماعي، خاصة بعد سنوات من التضييق على الممارسة النقابية داخل الوظيفة العمومية، فقد توجت بالتزامات لم تستطع الحكومة بتنفيذ جزء منها خلال السنة الاجتماعية (2022 – 2023)، ومنها: التأخر في إقرار الزيادة العامة في الأجور، حيث لم تستطع الحكومة التوافق مع الشركاء الاجتماعيين على أجرأة هذا الالتزام خلال دورة شتنبر 2022، ناهيك عن عدم الحسم في مراجعة نظام الضريبة على الدخل، وذلك من خلال مراجعة الأشطر ونسب الضريبة، إذ لم تتمكن الحكومة من إقراره بموجب قانون المالية للسنة المالية 2023.

كما عبر المركز البحثي عن تطلعه إلى أن تكون جولة أبريل 2023 بوصفها فرصة لتقييم حصيلة السنة الاجتماعية (أبريل 2022 – أبريل 2023)، ولحظة أساسية ستتيح للنقابات عرض مجموعة من المشاكل التي تعاني منها الطبقة الشغيلة، وفي مقدمتها ضرورة تحرك الحكومة لاستتباب الأمن الغذائي الوطني وعودة أثمان المواد الأساسية إلى مستوياتها السابقة، عبر اعتماد آليات لتخفيض الأسعار، ودعم القدرة الشرائية للأجراء، والتسريع بتفعيل السجل الاجتماعي الموحد، والحوار الاجتماعي فضاء كذلك لسماع صوت الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي يطالب الحكومة باستعجالية التدخل لحماية المقاولة المغربية في هذه الظرفية الدولية والوطنية، وبتسريع إخراج القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات، وستكون الحكومة ملزمة قبل تاريخ 30 أبريل 2023 بتقديم أجوبتها في خضم سياق وطني موسوم بالعديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أبرزها ضبط أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والتحكم في التوازنات المالية مع الحفاظ على دينامية الاقتصاد وتعزيز مناعته وقدرته على الصمود في ظل طرفية عالمية سمتها الأبرز توالي الأزمات والصدمات، مقابل إقرار السلم الاجتماعي، بما يجعل من الحوار الاجتماعي آلية في خدمة الدولة الاجتماعية.

وفي ختام الدراسة، خلصت إلى جملة من التوصيات تدعو من خلالخا إلى ضرورة فتح ورش استكمال الترسانة القانونية المتعلقة بتشريعات العمل، عبر تفعيل دور لجنة تشريعات العمل المنصوص عليها في الميثاق الوطني لمأسسة للحوار الاجتماعي، والتي تحتاج إلى طلب الدعم التقني من منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية، بما يضمن التطبيق السليم لاتفاق 30 أبريل 2022، وفعلية شعار الدولة الاجتماعية الذي يروم في جوهره جعل المواطن ضمن الأولويات الكبرى في مسلسل الإصلاح، من خلال ترسيخ مبادئ التضامن والتكافل والتآزر الاجتماعي.