يبدو أن وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، وبعد التعثر الملموس الذي لازمه في تنزيل مشروع الصناعات الثقافية والفنية، قرر أن يغير توجه سياساته القطاعية، ويشرع في صناعة مسؤولين مركزيين من لا شيء وبدون خبرة في المناصب العليا للوزارة التي يشرف عليها.

” محدها تقاقي وهي تزيد فالبيض”؛ ما لا يدع مجالا للشك أن الوزير الشاب صار يتمتع بحنكة عالية في الدوس على القوانين، فبعد السجال الذي رافق كيفية تعيين مديرة الشباب والطفولة والشؤون النسوية بقطاع الشباب، وكذا طريقة تعيين المفتشة العامة لقطاع الثقافة، والتي بالمناسبة تم تقييس شروط المنصب على مقاسها، لتكون بذلك أصغر موظفة بالمغرب تتقلد منصبا عاليا كهذا (المفتشية العامة)؛ يواصل بنسعيد استعراض مهاراته في هذا المجال، في سباق مع الزمن بهدف تمكين ذوي القربى والمحسوبين من الاستفادة من كعكة المناصب العليا، وتثبيتهم في هياكل قطاعات الشباب والثقافة والتواصل، اقتداء بخطى باقي الأحزاب السياسية التي تصل إلى الحكومة.

ويكفي أن تطلع على نوعية الشروط الذي تضمنها قرار صديقنا وزير الشباب والثقافة والتواصل الصادر مطلع الأسبوع الجاري والقاضي بفتح باب الترشيح لشغل منصبي مدير الشؤون الإدارية والمالية ومدير الفنون بقطاع الثقافة، لفهم كيف تتم عملية مكافأة أعضاء الديوان وشبيبة الحزب بمنحهم مناصب سمينة، عرفانا بالخدمات الجليلة التي قدموها خلال فترة الانتخابات..

مرحبا بكم في عالم ألعاب العقل؛ لك أن تتخيل عزيزي القارئ، أن الترشح لمنصب رئيس مصلحة وهو أدنى درجات المسؤولية في الإدارة المغربية، يلزم المترشح بالتوفر على أقدمية لا تقل عن 15 سنة، بينما في وزارة بنسعيد فالترشح لشغل منصب عالي من درجة مدير مركزي والذي يتداول المجلس الحكومي ويعين فيه بمرسوم، يتطلب التوفر على 5 سنوات أقدمية فقط، بلا تجربة مهنية وبدون عدد سنوات الخدمة الفعلية الضرورية؟؟ “واافهم تسطى”؛ إنه أحدث ما غنت “الشيخة” حول الذكاء الاصطناعي.

وإذا كانت تقنيات الذكاء الاصطناعي الرهيبة (Chat Gpt) توفر لك كل ما تريد وكل ما تطلبه في بضع ثواني، فإن الوزير بنسعيد فاق خصائص هذه التكنولوجيا، وصارت له القدرة على صناعة مديرين مركزيين في ظرف وجيز من العدم، فقط ” غا نوي”، «ولك منصب عالي في وزارتي، وإن حاجوك قل هذا من فضل حزبي»، وتحت ذريعة تشبيب الإدارة.

صحيح أن نهج سياسة تشبيب مناصب المسؤولية أمر محمود، لكن حبذا لو يتم دون ذاتية مفرطة، بعيدا عن تعيينات جبر الخواطر، ودون مصادرة حق الأطر الكفأة من أبناء الوزارة في تقلد هذه المناصب؛ لأن احترام المسار الإداري من خلال التدرج في المسؤولية، وقضاء سنوات الأقدمية المطلوبة فضلا عن التوفر على الخبرة اللازمة، وقبل أن ينظر إليها من الزاوية الأخلاقية، فهي ضمانات قانونية ملزمة تنص عليها مسطرة التعيين في المناصب العليا، ينبغي على من يرأسون الإدارات والمؤسسات العمومية التقيد بها والحث على الامتثال لها.