هل أخطأ الطالبي العلمي فهم مضامين الرسالة الملكية السامية؟

هذا هو التساؤل الذي أصبح يطرح في ممرات مجلس النواب بين النواب وبين أطر المجلسين. ولفهم أكبر للحكاية، يقدم رواتها التفاصيل الآتية؛ في البداية سيتقدم عبد اللطيف وهبي، عن طريق فريقه بمجلس النواب، بمقترح تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، واستغلال ظرفية تعديله لترتيب أثر قرار المحكمة الدستورية في الموضوع، لإضافة مقتضيات تتعلق بالتخليق تنصب أساسا للجواب على الإشكال الذي أثير في مكتب مجلس النواب نفسه من مدى دستورية منع أعضاء المجلس، المتابعين في ملفات قضائية والذين لم تصدر في حقهم أحكام نهائية بعد، من الحضور في جلسة افتتاح الدورة الخريفية، وهنا سيكون العلمي صارما رافضا إدخال هذه المقتضيات بحجج دستورية عديدة وعلى رأسها احترام قرينة البراءة، وهو ما أدى إلى حدوث انشقاق في الأغلبية بخصوص هذا الموضوع، عطلت عمليا تمرير تعديلات النظام الداخلي المقررة.
هذا الموقف من الطالب العلمي سرعان ما سيتغير، بتلاوة الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسه، إذ أعاد الملك تذكير أعضاء المجلسين بضرورة وضع مدونة للأخلاقيات البرلمانية، ذات طابع قانوني ملزم، وهي المرة الثانية التي يقدم فيه الملك هذا المقترح، الذي سبق أن ورد في خطاب الدورة الخريفية لسنة 2014.
وعوض التفكير بعمق في مضامين الرسالة الملكية السامية، التي تأتي بعد سلسلة متابعات قضائية، بعضها في حالة اعتقال لبرلمانيين ولرؤساء جماعات ترابية، وأيضا في أعقاب قرارات عديدة للمحكمة الدستورية بتجريد العديد من البرلمانيين من صفتهم، وأغلبهم بالمناسبة من مجلس النواب.

سارع الطالبي العلمي باختزال كل الموضوع في مادة يتيمة اقترح تضمينها في النظام الداخلي قيد الإعداد وتقديمها على أنها “مدونة الأخلاقيات”، في محاولة البحث عن سبق، لن يكون سوى في مواجهة مجلس المستشارين الذي اختار مقاربة أخرى، لم تحظ بقبوله، وهذا السبق يحركه بالأساس دافع انتخابي يتعلق بموعد تجديد هياكل المجلس في الدورة المقبلة.
يطرح العارفون بالموضوع، من الزاويتين السياسية والقانونية، أسئلة مقلقة حول هذا المسار الذي اتخذته مناقشة مدونة الأخلاقيات البرلمانية، ويذكرون بأن مدونة الأخلاقيات هي نص منفصل عن النظام الداخلي، وأن هذا الأخير الذي يتطلب عرضا وجوبيا على المحكمة الدستورية قد يعطل تضمينه مقتضيات ذات طابع أخلاقي مناسب قد تصطدم بعدم الدستورية.
كما أن المدونة تهم البرلمان وليس مجلس النواب، وبالتالي، ألم يكن الأجدر أن يعكس البرلمان وحدته وامتلاكه بمجلسيه للسلطة التشريعية، وتجسيد ذلك من خلال هذه الإشارة الكبرى التي يمكن أن تلتقطها، في مستوى ثان، الأحزاب السياسية وأيضا جمعيات المنتخبين بالجماعات الترابية، وفي الأخير، هل قواعد التناسق والتكامل، المنصوص عليها في الدستور، والتي تخدم وحدة البرلمان وتكامل عمل مجلسين، ألا تتعطل بمثل هذه الممارسات التي تقوي “الأنانيات المؤسساتية”: عوض التعاون المؤسساتي.

لم يتوقف مسلسل مجلس النواب، بخصوص هذا الموضوع، عند هذا الحد. فبعد انتهاء لجنة النظام الداخلي بمجلس النواب، من مناقشة التعديلات المقترحة، والتي سيكون من بينها المادة 402، التي تهم موضوع مدونة الأخلاقيات، ستتم إحالتها على مجلس المستشارين، وحسب مصادر مطلعة “قصد إبداء ملاحظات مجلس المستشارين”، والحال أن مجلس المستشارين لا يعقب على عمل مجلس النواب، والعكس صحيح، وكان الأجدر والمشروع أن يتم التعجيل بدعوة لجنة التنسيق، المنصوص عليها في النظامين الداخليين للمجلسين من أجل تدارس الموضوع.

وكانت المفاجأة أن مكتب مجلس المستشارين المعروض عليه الأمر، سيكون مع موعد مع مفاجأة أخرى في نهاية نفس اليوم، تتمثل في صدور بلاغ عن المجلس تحت عنوان “مجلس النواب بصدد صياغة واعتماد مدونة جديدة للأخلاقيات البرلمانية”، في إصرار على جعل مدونة الأخلاقيات مجردة مواد في نص النظام الداخلي.

يظهر هذا التمرين صعوبة كبيرة في فهم الدور التشريعي لمجلس النواب، الذي لم يستطع صياغة نص داخلي ملزم لأعضائه فبالأحرى التشريع في مجال اختصاصه. لهذا أيها السادة توقفوا عن الاستفسار لماذا مجلس النواب مٌشرع عادي، لأن الجواب ببساطة فاقد الشيء لا يعطيه.