في كرة القدم انتهى العمل بهذه المقولة حين أصبح التصويت على التقارير المالية في الجموع العامة إجراء شكليا.

في بطولتنا التي تحاول الخروج من جلباب الهواية، أصبح اللاعبون يتقاضون أضعاف ما يتقاضاه الوزراء وكبار خدام الدولة.

أما المدربون الأجانب فرواتبهم الشهرية تفوق مداخيل الرؤساء الذين وقعوا معهم عقودا بأرقام فلكية.

حين أعلن حارس الرجاء أنس الزنيتي رفضه خوض مباراة «الديربي» ضد الوداد. إلا بعد التوقيع على عقد جديد بامتيازات مالية جديدة، تذكرت قول مدرب مغربي، صرح مازحا: «لن أصافح رئيس الفريق إلا إذا كان في جيبي عقد «مطروز».

كان حارس الرجاء يتقاضى 400 مليون سنتيم سنويا, وبعملية بسيطة وبالاكتفاء بعشرة أشهر من الممارسة سيكون نصيب حارس عرين النسور من مالية الرجاء، أربعين مليون سنتيم شهريا فقط. فضلا عن منح المباريات.

يقال والعهدة على وكيل أعمال، إن ثلاثي الوداد جبران والحسوني والتكناوتي، تجاوزوا رصيد الزنيتي بفارق «الأهداف». أما الحافيظي فالعقد الذي كان يربطه بالرجاء يمكنه من 900 مليون سنتيم في سنتين، اللهم لا حسد.

قبل الحافظي كان محسن متولي الأكثر دخلا. وقبلهما كان يوسف القديوي يتقاضى 25 مليون سنتيم شهريا مع الرجاء، بفضل جود وكرم محمد بودريقة رفع سقف الامتيازات بكل سخاء. وحين غرقت السفينة الخضراء أعلن استقالته وتوجه في أول طائرة لأداء مناسك العمرة.

لائحة المنعم عليهم برواتب تعاني من السمنة، يتجاوز الخمسين لاعبا. وغالبيتهم يتحصنون في قلعتي الوداد والرجاء. وبنسبة أقل في بركان، رغم أن غالبيتهم لا يخوضون إلا مباريات معدودة في الموسم الكروي، «ما كيحسب غير المزلوط».

هكذا انتظرنا لغاية هذا الزمن ليصبح لاعب البطولة عندنا يتقاضى أضعاف راتب وزير في الحكومة. أو طبيب جراح أو عالم نووي. وأمام هذا الوضع أصبح من اللازم التدخل لفرض ضريبة على الدخل التي يكتوي بها المواطن البسيط ويعفى منها اللاعبون.

يبكي المشجع الأعزل في خلوته حين يرفض مسير تجديد عقد لاعب. يطالب برأس الرئيس إذا قرر إجراء عملية شفط الدهون لمنح اللاعبين التي تعاني من سمنة مفرطة. وحين يغرق الفريق في الوحل يعاتب المسيرون بسوء التدبير.

رغم اتهام المزاليط بتدقيق الحسابات فإن هذا الاتهام باطل لا يتجاوز حدود القول المأثور. لأنه لو كان البسطاء يجيدون فن الحساب لتمردوا على فقرهم. لذا يقول المعتدلون إن «لحساب صابون»، لا يهم إن كان مسحوقا أو صلبا أو سائلا.

لا يقترب قضاة المجلس الأعلى للحسابات من مقرات الأندية. لا يخضعون ماليتها للافتحاص. لا تتظاهر جمعيات حماية المستهلك وحماية المال العام وجمعية الرفق بالأنصار، أمام ملاعب النوادي المغربية. ولا أحد اليوم بقادر على أن يشعل الأضواء الكاشفة على مالية الكرة الممنوعة من الصرف.

كان جطو رحيما بمسيري الشأن الكروي رغم أنه يعلم علم اليقين بأن الجلدة محشوة بالهواء الفاسد. فالرجل كان عضوا في المكتب المسير للوداد البيضاوي وعاشقا في نفس الوقت للدفاع الحسني الجديدي. وكانت شركته «أوديربي» راعية للكرة من خلال حذاء رياضي اسمه بوتاج. لذا من حقه أن يفخر بكونه أول من «سبّط» اللاعبين.

لقد تبين أن المصادقة على التقارير المالية ليست شرطا لاستكمال نصاب الجموع العامة، وأن الحكامة وجبة تعد في المطبخ لا في مكاتب الخبرة. وأن السجن لا يدخله رؤساء الفرق بفضل حصانة الكرة أو كما قال أحد رؤساء الجامعات الذي يعرف من أين تؤكل «الفخذ». في جمع عام استثنائي، «لا وجود لمال عام بل هناك استهلاك عام».

يعاني لاعبو اليوم من الغنى الفاحش، لكن من سيعيد الاعتبار لنجوم الكرة الذين يصطفون في طوابير المساعدات؟. فقط لأنهم صدقوا مقولة: «حب التيران من الإيمان».

محسن البصري