أحمد الجَـــلالي.. الأصالة والمعاصرة” يواجه معادلة المصير: (1+1+1 يساوي1)؟

 

ضغط “الأصالة والمعاصرة ” على كل جروحه التنظيمية والأخلاقية ذات الصلة بالكائنات الإسكوبارية ثم “عض في اللحم الحي” وتوجه رأسا إلى بوزنيقة لعقد مؤتمره الوطني الخامس، وفعلا “نجح” في هذه المحطة في أن يأتي بما لم تأت به الأوائل وغالبا لن تقدر عليه الأواخر.

أسابيع قبل عقد هذا المؤتمر ساد الجبهة البامية هدوء اختلفت الأقوام في تأويله بين من اعتبره هدوء ما قبل العاصفة القادمة حتما ومن رأى أنه هدوء مناضلين مكلومين مازالوا تحت صدمة ملف “إسكوبار الصحراء” ومن ذهب من “كبار” البام في ركاب شبهات وتبعات هذه الفضيحة العظمى.

ولكن أفظع من وقع الفضيحة غياب نقاش حقيقي خلال فترة ما قبل المؤتمر سواء لورقة سياسية مؤطرة للحاضر والمستقبل سياسيا وتنظيميا أو ذات صلة بتجديد المرجعية والشعار والممارسة قبل “تجديد الذات الحزبية”، هذه الذات التي تعرت فعلا في بوزنيقة تحت شمس الواقع في أواخر منزلة “الليالي الباردة”.

ومن عجائب صدف المغرب السياسي ومكر التاريخ أن مؤتمر البام تزامن مع طرح جماعة “العدل والإحسان” ورقة سياسية تعد بحق سياسيا وإعلاميا حدثا حقيقيا: ذلك أن جماعة محافظة منكفئة على نفسها تجرأت على طرح أفكارها لعموم المغاربة فيما حزب أراد أن يجمع بين “الأصالة والمعاصرة” وبشر بممارسة السياسة بشكل مختلف وحمل لواء “نعم نستطيع” فشل في مجرد توزيع “وريقة سياسية” على الأتباع لمناقشتها قبل المؤتمر ولو من باب فتح الشهية.

غير أن من تابع المؤتمر ودقق مليا في وجوه الحضور بدءا ممن اعتلوا المنصة إلى “الجماهير الشعبية” أدناه لم يكن ليرى أيا من مظاهر أية شهية سياسية، وهو ما أكدته التشنجات القادمة من كلميم كمثال وحضور لغة الأجساد التي ربما أرادت “تجديد ذواتها” بطريقة الالتحام بين الأجسام وممارسة الحق في الصراخ عسى أن يسمع من به صمم.

وقد ذكرني ما صنعه “البام” بنفسه في بوزنيقة بما عشته وعاينته في طفولتي بمنطقة الغرب حيث كان يعني شهر شتنبر للقبائل الاستعجال من أجل التوجه لموسم سيدي امحمد بنمنصور “مولى قبتين”، في موعد سنوي مقدس سواء أنهى الفلاح جمع محصوله الزراعي أم لم يفعل. كذلك صنع هذا الحزب حين حان الوقت فجمع خيامه الكبيرة ونصبها في بوزنيقة وكفى الله المناضلين صداع الرأس لمناقشة أية أرضية سياسية أو ورقة تنظيمية.

وقبل يومين من موعد المؤتمر استمزجت عددا من الوجوه المؤسسة فعليا للحزب حول مشاركتها أو حتى حضورها، ويا لهول ما اكتشفت. أطر عليا محترمة ومناضلات ومناضلون هم طاقات الحزب وبطارياته القوية لم يتم دعوتهم حتى ولو من باب المجاملة أو رفع العتب.

هذا التعامل البعيد عن كل لياقة حتى لا أكتب شيئا آخر جزء من الجواب عن لماذا فشل البام في انتخاب زعيمة أو زعيم حقيقي للحزب وتم التستر وراء بدعة “القيادة الجماعية”. لقد صار الخزان البشري للأصالة والمعاصرة هواء.

وفكرة قيادة جماعية تكون فارضة لنفسها حينما نكون بصدد تنظيم ما مشكل من تيارات حقيقية قوية، ولكي لا يتشتت التنظيم ويتمكن من استيعاب كل حساسياته وتعبيراته المتمايزة داخله يُستجار بالقيادة المشتركة كمخرج تنظيمي وحل ديمقراطي يرضي أقصى ما يمكن.

غير أن قيادة ثلاثية للجرار في سياق الحزب الذي ودعه وهبي بطريقته الاستعراضية لا تعني استيعاب تيارات ولا ترضية لتيارات مفترضة بقدر ما يعني عجز “الذات الحزبية” عن التجديد وغياب الشجاعة الفردية في الصف الأول عن الخروج للعلن لتحمل مسؤولية الأمانة العامة وتبعات هذا الاختيار/التطوع.

ونظرا للتجريف الذي خضع له حزب “الأصالة والمعاصرة” منذ سنوات فقد فرت عصافيره المغردة وانتكست أخرى ولم يبق بالدار من يتطوع لمسؤولية أو يخوض معركة أو يلبس بمعركة ما يلزم من الخوذة إلى “البُسطار”.

وتبدو “القيادة الثلاثية” لجرار فكرة غير مبدعة وصورة كاريكاتورية غير مسلية بالمرة، سيما أن مفهوم “القيادة” يتساوق مع شعار الحزب “الجرار” ذي المقود الذي وراءه كرسي واحد لا يتسع لثلاثة أنفار فماذا أنتم صانعون يا قادة جرار “الاصالة والمعاصرة”؟

وبحكم سوابقي مع الجرار التاريخي فياط 664 وقد خبرت قيادته وإكراهات إركاب شخصين جنبي على متنه ومطبات السقوط في كل منحدر ومنعرج فلست أدري في حالة جرار البام من سيجلس على الكرسي، وفي حال التوافق فمن تراه من الثلاثة سيمسك المقود ومن يضمن للماسك به ألا تمتد يدان أخريان للمقود في لحظة حرجة فيحدث ما لا نتمناه لفاطمة أو مهدي أو أبو الغالي ولا لأي من عباد الله.

وعلى الصعيد البروتوكولي دأب الملك على استقبال وتهنئة كل أمين عام جديد لحزب مغربي يتم انتخابه، وفي نازلة القيادة الثلاثية هذه فقد عسُر علينا توقع تصرف رئيس الدولة، رغم أن الأمر في لعبة الاحتمالات لن يخرج على ثلاثة سيناريوهات: إما أن يستقبلهم معا أو من ينوب عن الإثنين أو لن يستقبل أحدا. في الحالة الأولى ستكون سابقة بروتوكولية وفي الحالة الثانية لن يكون “من ينوب” أمينا عاما حقيقيا وفي الحالة الثالثة أي عدم الاستقبال سيلزمها مبرر قانوني/سياسي/فلسفي..لجعلها مهضومة للمستهلك الداخلي.

ووفق الصورة التي رسمها البام عن “ذاته” التنظيمية بهذا الاجتهاد غير المقنع فسوف أجازف بالقول إن هذا الحزب وضع نفسه على سكة الاضمحلال أو التفكك.

لماذا؟

لأن طبيعة الأشياء ــ وفق نواميس الكون ــ تقتضي وجود قيادة وذلك بدءا من الذرة وحتى المجرة. ونتيجة غياب كوكب قائد، تتفرق النجوم عن بعضها وبدل أن تتلألأ كما أريد لها في الأصل تتحول إلى قزم منطفئ سرعان ما تلتهمه ثقوب سوداء تذهب به رأسا نحو العدم.

“البام” فرط عنوة في الكثير من نجومه الحقيقيين من العقول والقلوب التي آمنت بمشروعه في بدايته الأولى واليوم تفرقت مكوناته حول ثلاثة “رؤوس” ظاهرة وقد تكون أكثر من ذلك في الخفاء.

وقد يكون وهبي على علاته آخر أمين عام لـ “الاصالة والمعاصرة”، إذ الزعامات لا تستورد ولا تصنع. هي مثل المواهب تنبت في تربتها الخاصة وتتشكل وفق شروط ليست متاحة دائما ونتيجة تراكمات شخصية وموضوعية لا يمكن استنساخها في مختبر ولا برغبة من كواليس مستعجلة.