يقدر البنك الدولي إجمالي قيمة الاستثمارات اللازمة لوضع المغرب على مسار منخفض الكربون وقادر على الصمود بحلول 2050، بنحو 78 مليار دولار بالقيمة الحالية للدولار. وذهب البنك الدولي في تقرير قدمه أمس الخميس حول المناخ والتنمية في المغرب، إلى أن الاستثمار في العمل المناخي الآن سيحقق منافع مهمة للمغرب. ويحدث فرص شغل جديدة، فضلاً عن إنعاش المناطق الريفية. ووضع المملكة كمركز صناعي أخضر، وفي الوقت نفسه المساعدة في تحقيق أهدافها الإنمائية الأوسع نطاقاً.

ويحدد التقرير ثلاثة مجالات ذات أولوية للعمل المناخي العاجل لتلك الاستثمارات، وتتمثل في التصدي لشح المياه والجفاف؛ وتعزيز القدرة على الصمود في وجه الفيضانات؛ والحد من الانبعاثات الكربونية في النشاط الاقتصادي. كما يتناول التقرير أيضاً القضايا المشتركة على مستوى القطاعات بين التمويل والحكامة والإنصاف.

وأكد على أن هذه “الاستثمارات يمكن أن تكون تدريجية على مراحل، لكن العائد سيكون كبيرا، مما يجعل المغرب أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة والصادرات، بالإضافة إلى تعزيز النمو الاقتصادي”.

ويؤكد البنك أن التقرير أداة تشخيصية جديدة للبنك الدولي تستكشف الروابط بين المناخ والتنمية وتحدد الإجراءات ذات الأولوية لبناء القدرة على الصمود والحد من الانبعاثات الكربونية، وفي الوقت نفسه مساندة النمو الاقتصادي والحد من الفقر، كما أنه الأول في سلسلة من تقارير المناخ والتنمية التي سيتم إصدارها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويعتبر أكسل فان تروتسنبيرغ، المدير المنتدب لشؤون للعمليات بالبنك الدولي أنه: “نظراً للتأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، فإن المغرب يحرز تقدماً مثيراً للإعجاب في سعيه لتحقيق مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية. وهذا التقرير الرائد يحدد المجالات ذات الأولوية لإدارة المياه والموارد الأخرى والحد من الانبعاثات الكربونية بطريقة تحقق الأهداف المناخية والإنمائية في البلاد.”

ويعتبر بؤرة مناخية ساخنة وأحد أكثر بلدان العالم التي تعاني من شح المياه، إذ يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد سنوياً. وتعد موجات الجفاف الأكثر تواتراً وشدة مصدراً رئيسياً لتقلبات الاقتصاد الكلي وتهدد الأمن الغذائي.

يعتبر أن انخفاض إمدادات المياه بنسبة 25 في المائة وتأثير ذلك على جميع قطاعات الاقتصاد وانخفاض غلة المحاصيل بسبب تغير المناخ، يؤديان إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6,5 في المائة.

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات في البنية التحتية للمياه، لكن من الضروري استكمالها بإصلاحات على مستوى السياسات في قطاع المياه وإحداث تغييرات في سلوكيات المستهلكين.

ويتوقف التقرير عند تعرض المغرب أيضاً لمخاطر الفيضانات، حيث لاحظ تسجيل 20 فيضانا كبيرً على مدى العقدين الماضيين، مما تسبب في خسائر مباشرة بلغت في المتوسط نحو 450 مليون دولار سنوياً، مع تأثير غير متناسب على الأسر الأكثر احتياجاً.

ويؤدي ارتفاع منسوب سطح البحر، حسب البنك الدولي، إلى تفاقم مخاطر الفيضانات في المناطق الساحلية التي يقطنها أكثر من 65 في المائة من السكان وبها أكثر من 90 في المائة من النشاط الصناعي.

ولاحظ أن المغرب، وضع برنامجاً متطوراً لإدارة مخاطر الكوارث وتمويلها، غير أن البنك يؤكد على أنه يجب تفعيل ذلك بشكل كامل.

وتشير التقديرات التي وردت في التقرير أن المستوى الأمثل للاستثمارات في إدارة مخاطر الكوارث سيغطي ما يعادل 15-20% من متوسط الخسائر السنوية، وهذا يتطلب استثمارات سنوية في المتوسط بين 67 مليون دولار و90 مليون دولار.

ويحدد التقرير المسارات الرئيسية للحد من الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد بحلول خمسينيات هذا القرن لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعميم استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع.

ويتوقع التقرير أن يتم توليد أكثر من 85 في المائة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 ارتفاعاً من 20 في المائة في 2021. وستتحقق مكاسب صافية لا تقل عن 28 ألف فرصة شغل سنوياً ( 140 ألف فرصة في خمس سنوات) في قطاع الطاقة المتجددة وأنشطة كفاءة استخدام الطاقة فقط، ناهيك عن فرص الشغل في مجال الهيدروجين الأخضر أو النقل الكهربائي أو الاستثمارات الصناعية الخضراء الأخرى، مما يعني زيادة فرص التشغيل وتعزيزها.

ويتناول التقرير الانبعاثات الكربونية، حيث يشير إلى أن الحد منها سيكلف نحو 53 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة القادمة، معتبرا أن هذا الأمر سيتحمله القطاع الخاص إلى حد كبير إذا تم تنفيذ سياسات قطاعية مناسبة.

ويتصور أن صافي الأثر الاقتصادي سيكون إيجابياً، حيث سيتمثل في انخفاض الحاجة إلى الوقود الأحفوري وواردات الأمونيا؛ وزيادة أمن الطاقة؛ والحد من تلوث الهواء، بالإضافة إلى تقليل التعرض لصدمات الأسعار الدولية للهيدروكربونات. وسيفتح الحد من الكربون الباب أمام المغرب ليصبح دولة مصدرة للطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر بالصافي، ومركزاً للاستثمارات والصادرات الصناعية الخضراء، لا سيما إلى الاتحاد الأوروبي.

ويشدد على أن الاحتياجات الاستثمارية للحد من آثار تغير المناخ والتكيف معها، ستتطلب ما يقدر بنحو 23.3 مليار دولار من الآن حتى عام 2030، مع تركيز ثلثي هذا المبلغ على احتياجات التكيف؛ و25 مليار دولار بين عامي 2031 و 2040؛ و29.5 مليار دولار بين عامي 2041 و2050.

ويذهب إلى أن الاستثمارات لأغراض تلبية احتياجات التكيف، أهمية خاصة في المناطق الريفية حيث تشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أن التغيرات الناجمة عن تغير المناخ (مدى توافر المياه وانخفاض غلة المحاصيل) يمكن أن تؤدي إلى هجرة أكثر من 1,9 مليون مغربي من المناطق الريفية (نحو 5,4 في المائة من إجمالي السكان) بحلول عام 2050، معتبرا أنه على الرغم من أن تدابير التكيف يمكن أن تحد من عدد المهاجرين بسبب تغير المناخ من المناطق الريفية، على المغرب أيضاً اتخاذ خطوات لإحداث فرص شغل أكثر تنوعاً في تلك المناطق.

وأطلق المغرب عدة إستراتيجيات وخطط للتصدي للتحديات المناخية، منها مخطط المغرب الأخضر للتنمية الفلاحية لمساندة أنشطة الفلاحة المراعية للمناخ، والإستراتيجية الوطنية للطاقة لتعميم استخدام الطاقة المتجددة، والإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 ، والمخطط الوطني للمناخ لعام 2030.

ويرى جيسكو هنتشل، المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي أن “تقرير المناخ والتنمية الخاص بالمغرب يوضح كيف يمكن للمملكة الاعتماد على الجهود السابقة والانتقال إلى المستوى التالي والشروع في تحول طموح إلى مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية وقادر على الصمود في مواجهة الصدمات على نحو يشمل الجميع ولا يستبعد أحداً، وفي إطار نموذج النمو المستدام، من المرجح للغاية زيادة فرص التشغيل وتحقيق الشمول للجميع، وفي الوقت نفسه، ستكون الاحتياجات الاستثمارية لمثل هذا التحول كبيرة، وبالتالي من الضروري تهيئة بيئة مواتية وداعمة للقطاع الخاص.