بقلم فجري هاشمي ..السلفية السياسية وأزمة اليسار المغربي
يعتقد كثيرون أن السلفية لصيقة بتيارات دينية تلتقي جميعها في تقديس الماضي وبلغ بهم الأمر الى إحاطته بطابع طهراني، وإن تخلفنا في تخلينا عن ذلك الماضي، رغم ان الوقائع التاريخية تؤكد العكس هو أمر محاط بسياج ويخشى الناس الاقتراب منه خصوصا حين يتورط بعض الجريئين ويحاولون كشف المسكوت عنه.
لرجال الدين من تلك التيارات مبرراتهم، فالصراع مع الديانات الأخرى التوحيدية يفرض ستر العيوب، ولذلك فديننا ينبغي أن يكون الأفضل والأنقى ومن (يتهور) في قول العكس يصنف من الاعداء ولو كان مسلما لاشبهة في إيمانه.
سيظل هذا الامر على هاته الحالة مادامت القوى المحافظة ناشطة ومتغلغلة في كافة مفاصل المجتمع.
السلفية بالمعنى الديني نجد لها امتدادا لدى السياسيين، وهم أيضا بتأثير منها يقدسون الماضي السياسي، ويمجدونه ويحاججون به في مواجهة من يعتبرونهم قد تخلوا عنه. في حين وبشكل بسيط فإن السياسة والتي يعتبرها لينين (تكثيف لكل المعارف) تقتضي النظر إليها باعتبارها تكثيفا يخضع للتحولات التي يعرفها المجتمع. وما كان صالحا في مرحلة محددة، يصير متجاوزا في مرحلة أخرى، ودليل ذلك بالواضح هو تغير الوزن السياسي لحزب ما من وضع لوضع آخر.
سوف يقول قائل إن الماضي دروس وعبر ، والأمر كذلك غير أنها دروس وعبر للاستئناس، فحين تختلف الشروط تفقد الدروس والعبر سلطتها، فهي في النهاية ثقافة قد يصيبها البوار ولن تعود صالحة لذلك قلنا أنها تبقى للاستئناس.
وقد يشتد التمسك بالماضي واستحضاره حين لا يتبلور بديل جديد أكثر اقناعا وأكثرا استجابة لتطلعات الناس، لذلك مازالت بعض القوى السياسية سجينة شعارات قديمة عفا عنها الزمن وفي التمسك بها سلفية كامنة.
حين ظهر مفهوم القطيعة المعرفية اشتغل عليه المثقفون في مجال الفكر والحال انه مفهوم صالح في السياسة، وذلك يعني ان مفاهيمنا قد تصير متجاوزة كمن يستعمل نظارات فقدت صلاحيتها.
ولنختم حتى تتضح الأمور ونفصح عن المرغوب فيه : يعيش اليسار المغربي أزمة حقيقية تتجلى في عجزه عن قراءة التحولات المجتمعية بمنظور جديد. وقد لاحظنا في العشرين سنة الأخيرة ان أدبيات اليسار (إذا سميناها أدبيات ففي الاغلب هي مجرد أوراق سياسية) ضعيفة. على عكس مراحل سابقة حين كان اليسار بمختلف تلاوينه ينجز أطروحات متكاملة، وطبعا فإن حضور المثقفين في تلك الأطروحات كان لافتا.
حين نتخلص من السلفية السياسية سنشعر بأن مجهودا نظريا وسياسيا هو المطلوب، وحينها لن يظل اليسار في موقف دفاع ومجرد تابع للتطورات التي تجاوزته، خصوصا وأن العالم يعيش تحولات سريعة تجعل من الصعب الإمساك بها إن لم نكن في قلبها.