بقلم مصطفى المنوزي*: الحاجة إلى تأهيل المطالب الحقوقية بتجويد العرض السياسي
اختارت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السادس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف شعار : ” الديموقراطية ضمان لعدم التكرار ” ؛ فهل سيتعبأ المنتدبون حول الشعار كمنطلق لإعادة تحيين مقاربات تفعيل توصيات وأدبيات المنتدى وكذا توصيات وإلتزامات الحلفاء والدولة والمؤسسات الوطنية ، أو إن إقتضى الحال القيام بمراجعة وتأهيل الإستراتيجية نفسها وطريقة معالجة الملفات والتوصيات العالقة في علاقتها مع التحول الديموقراطي المعاق ؟.
لقد تنبأنا في المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وألححنا على ضرورة التركيز على الشق السياسي في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ؛ ونبهنا إلى أهمية الإصلاحات الدستوري والمؤسستية والتشريعية كمدخل لتسطير ضمانات عدم التكرار ، ومن جهتنا كمسؤولين خلال الفترة التي واكبت صدور التوصيات وكذا مرحلة إطلاق دينامية تنفيذها ؛ كنا واعين بأن الشق السياسي في التوصيات هو الحاسم ودون التعبئة حوله وتأهيل التواصل والحوار مع الحلفاء والمعنيين داخل الصف الديموقراطي لن يبرح التفعيل مكانه ؛ على اعتبار أن الفاعل السياسي ، والحزبي على الخصوص ، هو المعني الأول بالقطع مع الماضي ، ماضي الفساد والقمع والإستبداد ، لأن أول ضحية لسنوات الرصاص هي المشاريع الوطنية والتقدمية والديمقراطية ، في شخص مناضلي ومهندسي وقيادات حركاتها وتياراتها ؛ ناهيك عن علاقات من تبقى حيا ( عمرا ووفاء وعطاء ) بقنوات وآليات صناعة القرار السياسي والتشريعي والعمومي ، والتي كانت تفرض لعب دور ” التغيير من الداخل ” ؛ لأنه من المعلوم المفترض أن الغالبية العظمى من بين مكونات هذه القوى والحركات والتيارات قامت بمراجعات فكرية وسياسية ، وتبنت الخيار الديمقراطي ، ولهذه الغاية عقدت مؤتمراتها الإستثنائية وغيرت ” عناوينها / أسماءها ” ، وتم الحسم ( نظريا ) مع خط المغامرة والعنف ؛ وبالمقابل انفتحت الدولة نسبيا وأطلقت ما سمي بالمسلسل الديموقراطي المشروط بتقوية الجبهة الوطنية الداخلية في سبيل استكمال مطلب تحرير الصحراء المغربية وبقية الثغور ؛ وهو مطلب لا علاقة له بمقاربة الحركة التقدمية المؤطرة بإستراتيجية النضال الديموقراطي ولا بشعارها المأثور : تحرير – ديموقراطية – إشتراكية . فالاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ؛ والذي عشنا تفاصيل الفترة ما بين المؤتمر الوطني الثالث إلى المؤتمر الوطني الخامس ، والتي أطلقنا عليها ” العشرية المؤسسة والمهيكلة لما بعد سنوات الرصاص المشهورة “.
لن ندخل في سجال وتقييم ما جرى من صراع سياسي وإيديولوجي وتنظيمي داخل صفوف كل حزب تقدمي على حدة ، بقدر ما سنعيد السؤال : هل نجحت التسويات السياسية فيما بين الدولة لبلوغ هدف التوافق حول إستراتيجية تدبير الصراع السياسي والإجتماعي و ( طبعا الإقتصادي والثقافي ) تدبيرا سلميا ؟ وما هي قواعد ” اللعبة ” التي غلفت أي ” اللعبة ” بوصف الديمقراطية ” ؟ ما دور تسوية ” التناوب التوافقي ” وأثر العملية السياسية التي واكبت العهد الجديد ورافقت ترتيبات دينامية الحقيقة والإنصاف والمصالحة والتي كانت بمثابة ثمار التسوية السياسية التي أبرمتها الحركة الحقوقية بتوجيه من الأحزاب الوطنية والديموقراطية ووكالة عنها ، مع الدولة المغربية في شخص رئيسها الدستوري وتحت إشرافه وبتفويض منه للمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان وعلى الخصوص هيأة الإنصاف والمصالحة ؟
 يبدو أن مطلب الدمقرطة لا زال متعثرا في طريقة تمثله وكذا مترددا في منهجية تصريفه ، هو مطلب أكدت العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد وما رافق أطوارها من بروز مؤشرات تكرار الماضي وعودة رجال السكتة القلبية ؛ أكدت راهنيته وضرورته وإلحاحيته ؛ من هنا علينا ، كل من موقعه ، الحزبي أو الإجتماعي / المدني الحقوقي ، أن نعي بأن إعادة طرح مطلب ” الديموقراطية سيجد صعوبات في التفعيل ، في ظل تراجع ما سمي بالديموقراطيات الليبرالية والتي صارت نشازا بالنسبة لتصاعد المد الشعبوي واليميني المحافظ والمتطرف ، ولكن مع ذلك علينا أن نعتبر أن للمؤتمرين ، على الأقل ، وأغلبهم معتقلون سابقون ومنتمون للصف الديموقراطي ، بل إن اغلبهم قياديون أو مؤثرون في المشهد السياسي والحزبي ، لهم فرصة إعادة سؤال الديموقراطية وربطه بمطلب طي صفحة الماضي ، وبأنه لا إنتقال ديموقراطي إلا بالنضال من أجل دمقرطة السياسات العمومية والتشريعية ذات الصلة بالأمن وبالعدالة وسيادة القانون ، مع تسجيل تحفظ كبير على حالة شاذة تشوب تعامل بعض حقوقيينا ، جلهم ينتمون لتنظيم حزبي معين لم ينخرطوا بعد في دينامية العدالة الإنتقالية بمعايرها الدولية ، بل منهم من لا يؤمن بها بعلة أنها تشوش على التراكم ” الثوري ” متجاهلين أن المقاربة الحقوقية لا يمكن أن تتجاوز السقف الليبرالي.
ورغم أن المؤسسات الأممية أجمعت على أن “” يستدعي التّصدّي التّام لإرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان اعتمادَ استراتيجيّة مُتعدّدة الأوجه تشملُ تدخّلاتٍ على مستوى المؤسسات والقانون والمجتمع المدني والجماعة والفرد على حدّ سواء. ولا تصلحُ هذه الاستراتيجيّة من دونِ إصلاح مؤسسات الدّولة الآيل إلى تحسينِ شرعيّتها ونزاهتها. فالسّعي إلى تحقيق الإنصاف والمُحاسبة والوقاية أمرٌ على قدرٍ عالٍ من الأهميّة.” ( فقرة من تقرير المركز الدولي للعدالة الإنتقالية ).
ولذلك فالإنتقال السياسي سيظل رهينة تعثر الإنتقال الأمني ، لأن هذا مشروط تحققه بتحول عميق في العقيدة الأمنية للنظام السياسي المغربي ، فلا زالت حماية النظام ذات أولوية على حماية الدولة والوطن ؛ وإن هذا التردد يكرس لدى النظام ( كعقيدة أمنية ) الحرص على ” السماح بالتكيف ” عوض إطلاق مبادرات ” التحول ” في ظل منعطف خطير ، إذا لم يتم فيه الوعي بأهمية التحديث ، تحديث الدولة والمجتمع ، فإن الإنحسار سيطوق جميع الآفاق ؛ ولكن هل للدولة أن تقوم بتحديث ذاتها أم لابد من إعادة فتح ورش الإصلاح المؤسسي والدستوري من بوابة ربط ااديموقراطية بحقوق الإنسان وسيادة القانون وتكريس حقيقي لفصل السلطات وإستقلال بعضها عن بعض ، وهو ورش للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أن يلعب فيه دوره ” الإصلاحي ” وقد سبق له في هذا السياق أن أسس بقرار من المجلس الوطني المركز المغربي للديموقراطية والأمن كما أشرف رئيسه السابق أن أشرف على تأسيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي ؛ وهي مناسبة لتحيين المنتدى مقاربته الحقوقية ببعد سياسي ( لا حزبوي طبعا ) وفي ذلك فليتنافس المتنافسون من أجل بلورة – تشاركيا – عرضا سياسيا يعتبر أرضية لتدبير الصراع السياسي والإجتماعي تدبيرا سلميا يؤطره الأمن القانوني والأمن القضائي والحكامة الأمنية ، على إعتبار أن كل إحتقان إجتماعي وصدام سياسي يستبع إنفلاتا أمنيا ، ولذلك وجبت دمقراطة القوة العمومية . وتجدر الإشارة إلى أن المنتدى كان ينظم ندوات عمومية أو ورشات مفتوحة عشية انعقاد المؤتمرات ، تهيء نوعيا وترتب مسودات الأسئلة ومشاريع أجوبة للإشكاليات الحقوقية والسباسية اامطروحة .
مصطفى المنوزي* رئيس سابق لمنتدى الحقيقة والإنصاف