من المرتقب أن تنعقد جلسة مجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء حسب ما تم الإعلان عنه في برمجة الجلسات لهذا الشهر و ذلك بطلب من بريطانيا التي تترأس المجلس، و هو طلب أتى تنفيذا لتوصيات قرار 2602 الصادر في أكتوبر من هذه السنة الذي دعا لتقديم إحاطة حول الملف لمجلس الأمن بعد مضي ستة أشهر من صدوره ليتم الاطلاع على تطور الوضع الميداني و السياسي.

جلسة هذه السنة ستختلف عن سابقاتها خاصة تلك  التي انعقدت منذ نوفمبر 2019 حيث ظل منصب المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة بدون تعيين شخصية جديدة مكان هانس كوهلر المبعوث الأممي السابق، مما يجعل من هذه الجلسة متيكزة بكونها  أول جلسة ستقدم فيها إحاطة يقدمها ستافان دي ميستورا المبعوث الجديد بعد توقف دام لسنتين، و بعد أول جولة سياسية قام بها للمنطقة، مما سيعطيها أهمية سياسية كبرى بحكم أن المجلس سيستمع لرؤية المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا حول سير العملية التي قام بها في يناير 2022 ضمن جولة قادته للمنطقة اجتمع فيها مع كل الأطراف المعنية بالنزاع خاصة المغرب و الجزائر،و هي الجولة التي سيكون قد عاين فيها مدى رغبة الجانب  المغربي  طي هذا النزاع على أرضية مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المقترح المستجيب لممضامين ميثاق الأمم المتحدة و لمعايير الحل الذي وضعه مجلس الأمن، كما سيكون قد سجل فيها بكل تأكيد المناورات التي يقوم بها النظام الجزائري من أجل عرقلة التوصل للحل،و محاولاته فرملة عمل المبعوث نفسه، لذلك فهذه الإحاطة ستحظى بمراقبة دولية واسعة و متابعة لما سيرد فيها على اعتبار أنها ستحمل رؤية المبعوث الأممي و الخلاصات الأولية التي توصل إليها بعد جولته هاته التي أتت في إطار مقررات مجلس الأمن الذي طالب بإحياء العملية السياسية حيث انتهت لقاءات جنيف1 و جنيف2 التي توقفت بفعل عرقلة النظام الجزائري لعمل المبعوث السابق خاصة بعد الجولتين التي انعقدتا بجنيف اللتين وصلتا لخلاصة سياسية جد مهمة ترمي إلى ضرورة الإنتقال من مستوى مناقشة الخطوط العامة للحل إلى التطرق في المناقشات  للحل نفسه وفقا لقرارات مجلس الأمن التي انتهت بتنبي خيار الحكم الذاتي كحل وحيد للحل و الضامن للأمن و الإستقرار السياسي بالمنطقة ككل.

إحاطة هذه السنة ستكون مناسبة كذلك ليطلع فيها المجلس على حقيقة الوضع الأمني بالمنطقة، و ستشكل مناسبة للرد الأممي الواضح على كل ادعاءات النظام الجزائري من خلفه تنظيم البوليساريو الذي ظل يسوق – منذ العملية الأمنية العسكرية التي قام بها الجيش المغربي في الكركرات- لوجود حرب في المنطقة و اشتباكات،  انتقلت دعاية هذا النظام لمستوى جديد من الافتراءات بادعاء قيام المغرب بحملة “اغتيالات” في نفس النهج الإعلامي المستمر الذي أصبح خطا تحريرياً في وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية في مهاجمة المغرب و  فبركة الأخبار لمحاولة تغليظ الرأي العام الدولي و الأممي، عليه فهذه الإحاطة كما لها أهمية سياسية فهي لها أيضا أهمية أمنية كبيرة بحيث طيلة هذه الستة أشهر بعثة المينورسو على عكس هذه الادعاءات لم تسجل أي خرق مغربي لاتفاق وقف إطلاق النار، و لا أي تحرك عسكري كالذي تدعيه الجزائر، بل من يخرق الاتفاق هو تنظيم البوليساريو الذي يدفع بعناصره للمنطقة العازلة شرق الجدار، و الذي أعلن عن تحلله من اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعه بشكل منفرد مع الأمم المتحدة.

أهمية إحاطة هذه السنة تأتي في ظل سياق دولي جديد مرتبط بالحرب الروسية-الغربية و هي الحرب التي أرخت بضلالها على كل الأزمات الدولية في محاولة لخلق تقاطبات إقليمية و دولية  جديدة، و اذا كان النظام الجزائري قد اختار التخندق في المحور الروسي و ابتزاز الغرب بالغاز ، فإن المغرب ظل وفيا لنهجه الدبلوماسي العقلاني، الذي يراع مصالحه و مصالح قضاياه الحيوية لذلك فرغم الشراكة القوية و الكبيرة التي يتوفر عليها مع الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه لم يتخندق ضد روسيا بل اختار حياداً إيجابياً في هذه الأزمة، فهو أصدر بلاغا واضحا رافضاً للحرب و مطالباً باحترام وحدة و سيادة الدول، كما أنه اختار عدم  حضور جلسة التصويت على القرار الأممي الذي أدان روسيا، ثم بعدها امتنع عن التصويت على قرار تجميد عضوية روسيا بمجلس حقوق الإنسان، في موقف دبلوماسي يعكس توجهه  المنسجم مع المنطق الذي ظل ينهجه منذ خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2016،هذه التوازنات الدولية الجديدة و التموقع الذي اختاره المغرب خاصة و أن السفير المغربي بروسيا قد التقى في اجتماع مطول نائب وزير خارجية روسيا و تباحثا في مختلف المستجدات الدولية و كانت قضية الصحراء واحدة من النقط التي طرحت بحيث أكدت روسيا موقفها من دعم المبعوث الجديد الأممي للمنطقة ستيفان دي ميستورا،و دعم الحل السياسي على قاعدة قرارات مجلس الأمن آخرها قرار 2602، لذلك  فاحاطة هذه السنة تنعقد في ظل هذا السياق الدولي الذي و بفعل التحركات الدبلوماسية المتوازنة و البرغماتية للمغرب فإنها سترخي إيجاباً على المناقشات التي ستتم بالجلسة، خاصة الموقف الروسي أثناء المناقشات تمهيدا للقرار الذي سيصدر في أكتوبر المقبل من سنة 2023.

الإحاطة تنعقد بعد الموقف الإسباني الجديد الذي يعكس التحول الكبير في مواقف الدول الفاعلة تاريخياً في هذا النزاع، بحيث أن الدولة التي تعتبر آخر مستعمرة للأقاليم الجنوبية و التي ظلت ترخي بضلالها على النزاع اختارت أخيراً الانخراط في دعم المسلسل الدولي لحل النزاع على أرضية مبادرة الحكم الذاتي، و أعلنت بصريح العبارة عن أنها تعتبر هذه المبادرة الأكثر مصداقية و المستجيبة لمتطلبات الحل السياسي،هذا الموقف الجديد سيؤثر على مواقف إسبانيا أمميا، كما أنه سيؤخذ بعين الاعتبار من طرف مجلس الأمن و هو يناقش الإحاطة،و سيكون له تأثير كبير على توجه ستافان دي ميستورا على اعتبار أن إسبانيا تعتبر من الدول التي تشملها جولاته السياسية التي يقوم بها للمنطقة.

كل هذه المتغيرات ستنعكس إيجاباً على المناقشات التي ستتم، و هي مناقشات ستشكل دفعة أممية جديدة لملف الصحراء على صعيد مجلس الأمن، و ستكون مناسبة لتقوية الدعم  الدولي لمبادرة الحكم الذاتي باعتباره المبادرة الأكثر جدية وواقعية و المصداقية لحل هذا النزاع المفتعل حول الصحراء.