إدريس الأندلسي..هل لا زال الغرب الأوروبي ضرورة في علاقتنا بالعالم؟

لا زالت جراحنا لم تلتئم تاريخيا و سياسيا بعد كل ما اقترفه الغرب الإستعماري و النيوو كولونيالي في بلداننا الأفريقية و الآسيوية و الجنوب أمريكية. نعم تعمقت الجراح حتى بعد خروج المستعمر من الأرض. و لكن المجرمين المؤمنين بسمو جنسهم على كل الأجناس و بأهمية مصالحهم على كل مصالح البشر على الأرض خرجوا من الباب ليدخلوا من النوافذ. لا ينكر عاقل أن فتح النوافذ تأتى بمساعدة من بعض العملاء و ذوي المصالح من أبناء البلدان التي خضعت للاستعمار. خرج المستعمر من عواصمنا بعد أن ربط مصالحه بمصالح اقلية منا و عهد إليها بكل الوسائل لكي تستبيح إستعمال كل الآليات لتسيطر بإسمه على مستقبلنا بعد أن خربت ماضينا و رهنت حاضرنا في كثير من دول العالم الثالث.
هل يتذكر أبناء هذا الوطن العزيز من وهبوا أرواحهم حين امتدت يد الإستعمار إلى ملك البلاد و إلى زعماء التحرير في سنة 1953 و قبل هذا التاريخ. فدائيون وهبوا أرواحهم فداء للوطن و أستمر الفعل الوطني و أستمر القمع و التقتيل الإستعماري إلى أن بزغ الفجر بقوة التضحية و فتح باب الدخول إلى الانعتاق من قبضة قوى الإستعمار.

خرجوا و لم يخرجوا و استمروا ، هم الأبناء غير الشرعيين للمستعمر ، في رعاية مصالح المعمرين و المؤسسات العمومية و المالية إلى أن تمت الاطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم و عاد عملاء الإستعمار إلى مواقع قمع الوطنيين. هؤلاء العملاء هم من كانوا وراء محاولات الإطاحة بالنظام الملكي بالمغرب خلال سنتي 1971 و 1972. و حفظ الله بلادنا من سيطرة من كانوا سيقودوننا إلى هيمنة بروح كولونيالية ديكتاتورية و بنفس شرس و منتقم من كل ما هو وطني. منذ بداية الاستقلال كان هدف الضباط الذين تم تكوينه في ثكنات و مدارس المستعمر العسكرية هو القضاء على الفدائيين و قيادات جيش التحرير. و كانوا قاب قوسين أو أدنى من تدمير تاريخ بلادنا و إدخالنا في نفق مظلم مثل النفق الذي يعيشها داخله الشعب الجزائري الشقيق.

هذا هو الغرب الذي يزرع الشر بكثير من الخلطات الثقافية و الأيديولوجية لكي يخرج من الباب ويدخل من النافذة. ويمكن القول لكل مشكك في هذه القراءة للأحداث التاريخية أن يراجع كل صفحات تعامل المستعمر الفرنسي و البلجيكي و الإنجليزي مع أفريقيا بعد حصول دولها على الاستقلال. قال الإستعمار للزعماء القارة : “أنتم الان مستقلون، لكن لا تقتربوا أبدأ من مصادر نمو اقتصادنا من طاقة و معادن و غذاء و مؤسسات مالية. و من اقترب من مصالحنا قتلناه و صلبناه و سخرنا بني جلدته للتنكيل به. هكذا قضينا على باتريس لوميا و على جومو كينياتا و على موديبو كيتا و نفينا محمد الخامس إلى مدغشقر و اعتقلنا قيادة الثورة الجزائرية الحقيقيين و قتلنا عمر المختار و استبحنا دماء كل من عاكس مصالحنا.

و تأتي أحداث غزة لتبين أن دول الإستعمار الغربي هي التي صنعت الإستعمار و التي لا زالت ترعى بالسلاح و بالسينما و بالأغنية و بالمسرح مصالحه العليا . و هي التي صنعت تجارة الرقيق و العبودية و وقفت صفا واحدا لتدمير الشرق الأوسط و كثيرا من البلدان. فلنتذكر حرب 1967 حيث سخرت أوروبا و أمريكا كل ترسانتها للهجوم على مصر .

و صورت الصحافة الغربية على أن إسرائيل هي التي هجمت لوحدها على مصر و سوريا. و الأمر كله كذب على العالم و إخفاء لخضوع الغرب لقوة اللوبي الصهيوني. و تستمر هذه الكذبة إلى الآن لتبين أن إسرائيل قوة عسكرية . لو كانت كذلك فعلا لما كانت محتاجة إلى أموال دافعي الضرائب الأمريكيتين و الأوروبيين لتسليحها و تسخيرها للسيطرة على الشرق الأوسط. و لولا دعم أمريكا و أوروبا لما صمدت إسرائيل ليلة واحدة أمام المقاومة الفلسطينية .

و في ظل ضغط الزمن الانتخابي الأمريكي يسابق بايدن و حكومته الزمن لدفع مجلس النواب للموافقة على تخصيص 17 مليار دولار لإعادة تسليح إسرائيل لكي تستمر في هدم المستشفيات و المدارس و قتل النساء و الأطفال و الشيوخ و تجويع شعب بأكمله. اليوم تقف هذه الدول في صف الظلم بعد أن أمر قادة الصهيونية رؤساء و برلمانات فرنسا و ألمانيا و إنجلترا و هولندا و غيرها ممن تم تصعيدهم إلى المواقع السياسية الكبرى بفعل صهيوني في المكان الذي وجب أن يقفوا فيه.

اليوم كل برلمانات العالم يدينون إسرائيل إلا برلمانات أوروبا و الولايات المتحدة التي تشكل الاقلية بالنسبة لدول العالم. أوروبا لا زالت وفية لماضيها الإستعماري و حاملة لفكره و أهدافه. و لا زالت مجموعة الدول السبع تنتصر للتقتيل الصهيوني و تستبيح الموافقة على جرائم الحرب الإسرائيلية.
قضية تحرير فلسطين هي في الأصل مواجهة مع دول الإستعمار الغربي الذي يتقن صناعة الكذب و تزوير كتابة التاريخ. ينكر هذا الغرب المصطنع عشرات آلاف القتلى من الشيوخ و الأطفال و النساء ضحاياه في غزة و لا يهمه سوى ما تقوله الصهيونية التي تغتصب بسلاحه الممنوح حقوق شعب منذ ثمانين سنة.
أصبح يومنا يسبح في بحر البؤس الرهيب بفعل فاعل و بتواطؤنا. و السؤال المركزي هو مدى استعدادنا للاستغناء على الغرب. أعرف أن السادة في هرم السلطات في أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية و خصوصا في ” عالمنا العربي” لهم مصالح من المحيط إلى الخليج و من كثير من القارات إلى كثير من المحيطات يعتبرون الشعوب مجرد كائنات مستضعفة و خاضعة.

قد يستمر هذا الوضع لزمن و قد يتغير المجتمع إلى الأسوأ. الأهم أن العلاقات الدولية قد لا تعتمد على نفس المظلات في كافة القارات. مراكمة الثروات لا تشكل على الدوام سدودا لمواجهة كل الأزمات و ألف رفض للسفر عبر القارات في غياب العدالات. أعرف أن الغد قد يتم فيه الاستغناء عن الغاز و البترول و لكن الغرب سيظل رهينة للمال و قوة الترسانات التي لن تنفعه غدا .

و لكل ما سبق، أصبح الغرب في مخيالنا صورا ناصعة حقيقية تترجم حقيقة الإستعمار و الإمبريالية و الهيمنة على مقدرات الشعوب و تزييف كل كلام عن حقوق الإنسان و حق الشعوب. تبا لكم يا من تتجاهلون ضحايا القصف الصهيوني من أطفال و شيوخ و نساء. وبما أنكم لا تؤمنون إلا بلغة العنف، فاعلموا أن العنف المبتكر هو الذي سيصنع التاريخ غدا. صنائع الإستعمار في الشرق و الغرب و الجنوب لم يصنعوا إلا الفقر و الخنوع و القرار الإستعماري الإمبريالي الغادر الذي لن يستمر في الحفاظ على مصالحهم .

صنع الغرب كل أشكال العنف و استغلال الشعوب و لن يخسر العالم شيئا إذا تم تدمير الشكل الحالي للعلاقات بين الدول سياسيا و اقتصاديا. عالم بمنظمة عالمية إسمها الأمم المتحدة تقول قراراتها اليوم أن فلسطين لا يمكن أن تصبح دولة كاملة العضوية. يتم الرفض بصوت واحد هو فيتو أمريكا. هكذا استفادت دولة واحدة من السيطرة على العالم من خلال نظام دولي في مجال سياسي عبر الأمم المتحدة، و في مجال اقتصادي و مالي إسمه مؤسسات بريتون وودز. و الحل في حل كل المنظمات الدولية التي أصبحت ضعيفة و غير ذات فائدة على دول العالم .