عاش المغرب مؤخرا مسلسلا رمضانيا شيّقا على الصعيد السياسي و الحقوقي.  وقائع مجتمعية متتالية و قرارات و تصريحات صدرت عن الهيئات الحكومية الرسمية تفاعلاً معها. أحداث وضعها المتتبعون في ميزان الرصد و التحليل.

على ضوء المشهد االسياسي العام،و بناءا على هذه الوقائع التي سنستعرض بعضها في هذا المقال، يُطرح السؤال : هل هناك مؤشرات تدلّ على أنّ الدولة المغربية ستعتمد مقاربات حقوقية و اجتماعية “جديدة” لما يحدث في المجتمع من أحداث و ظواهر مثيرة للجدل ؟ أم أنّ “دار لقمان” و “المقاربة الامنية” ستبقى على حالها؟

وهبي و المال العام

قبل حوالي الأسبوعين، أعرب وزير العدل عبداللطيف وهبي  عن نيّته إجراء  تعديل في قانون المسطرة الجنائية لمنع جمعيات المجتمع المدني من رفع دعاوى ضد المشتبه فيهم في اختلاسات المال العام. وفي كلمته “الحماسية” أمام البرلمان، أورد الوزير العديد من الأسباب التي تبرّر هذا الاتجاه. و منها أن مراقبة المال العام، في نظره، يجب أن تكون مهمة حصرية لوزارة الداخلية. و أردف أنه لا أحد يحق له تقديم شكاية ضد السياسيين أو رؤساء الجماعات المحلية. بما في ذلك الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. لأن الافتحاص والمحاسبة والمتابعة من اختصاص الدولة فقط، على حدّ قوله.

خَرجة اعتبرها المعنيون بالأمر بمثابة محاصرة لهاته الجمعيات. و تحصين لفئة من المنتخبين و السياسيين المتورطين في شبهات اختلالات مالية و قانونية من المحاسبة. و بلغ الأمر بالجمعيات إلى بعث شكاوى للملك مباشرة.

تصريحات وهبي تبعها بعد أيام قليلة بلاغ لوزارة الداخلية  يؤكّد فيه أنّ “بعض الهيئات الجمعوية، خاصة منها الجمعيات المهنية، تنشر بلاغات حول أنشطتها ومواقفها أو قراراتها بالرغم من أنها لا تتوفر على الصفة القانونية المطلوبة وبسبب عدم تلاؤمها مع المقتضيات القانونية وعدم تجديد هيئاتها القيادية، كما ينص على ذلك القانون المنظم للحق في تأسيس الجمعيات”.

واعتبرت الوزارة أن “هذه الممارسات تضلل الرأي العام الوطني والدولي، وتمس في نفس الوقت بجوهر دولة القانون القائم على المعادلة القائمة على التوازن ما بين ممارسة الحقوق واحترام الواجبات”. وبصفتها القطاع الحكومي المسؤول عن تدبير الإجراءات المتعلقة بالوضع القانوني للجمعيات، أكدت على أنها تحتفظ بحقها في تطبيق الإجراءات القانونية والقضائية في مواجهة هذه الهيئات التي تخرق القانون.”

فهل يمكن اعتبار أن وزارة الداخلية تساند وهبي في “خرجاته” ذات البعد السياسي و الأمني الواضح؟

المقاربة الامنية لمعالجة ظاهرة “روتيني اليومي”؟

و في سياق آخر، نصح وزير الشباب و الثقافة المهدي بنسعيد المتضررين من فيديوهات “روتيني اليومي” ب”اللجوء إلى القضاء”. و أضاف بأنّ “التجاوزات القانونية المرتبطة بتصوير فيديوهات داخل البيوت المغربية توثق الحياة الخاصة للأفراد.  ونشرها على مواقع التواصل الإجتماعي لا تخضع لرقابة التشريع الوطني المنظم لمجال الإعلام والإتصال”. جاء هذا الردّ بعد سؤال لبرلمانية حول “استراتيجية الوزارة من أجل محاربة بعض أصحاب الفيديوهات المخلة بالأخلاق والتي أصبحت تمس بالهوية المغربية”. وبخصوص أساليب القذف والتهديد والعنف، يورد بنسعيد أن “المشرّع المغربي قد جعل هذه الجنح من اختصاصات السلطة القضائية التي يمكنها تحريك المتابعة القضائية من عدمها في حق أصحاب هؤلاء المحتويات التافهة. بناء على شكاية المتضررين”.

الواضح من كلام السيّد الوزير أنه لا استراتيجية في الأفق القريب للإحاطة بهذا الموضوع. فهل يمكن اعتبار ذلك بمثابة تشجيع المقاربة الأمنية و دفع المواطنين إلى رفع دعوات قضائية ضد المحتويات التي ينشرها مواطنون آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي؟

خيال في قفص الاتهام؟

هذه المقاربة الأمنية للمحتويات الرقمية تجسّدت على أرض الواقع. ففي واقعة فريدة، اعتقلت عناصر الشرطة بالمفوضية الجهوية للأمن بمدينة أولاد تايمة، يوم الأحد 24 أبريل الماضي  أربعة أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 20 و31 سنة. من بينهم سيدة وشخص من ذوي السوابق القضائية. وذلك للاشتباه في “تورطهم في التحريض على استهلاك المخدرات ونشر محتويات رقمية مخلة بالنظام العام و إعطاء القدوة السيئة”.

كلّ ما في الأمر، أن مصالح الأمن تفاعلت مع فيديو على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. و يظهر فيه شخص وسيدة وهما يجسدان في مشهد تمثيلي دور خطيبين و هو يهديها قطعة من الحشيش مكان الخاتم. و هو ما اعتبرته المصالح الامنية  مشهدا “يحرض على حيازة واستهلاك المخدرات”. ليتم توقيف الجميع و إخضاعهم للتحقيق..

و هنا يطرح السؤال: كيف يمكن إصدار أحكام على شباب يصوّرون فيديو ترفيهي؟ أين حدود التخييل و الواقع؟ ألا تطرح هنا مسألة “حريّة الإبداع”؟  لماذا تحرّكت المصالح الأمنية في هذه الحادثة بالذات و التي وصفتها البلاغات الرسمية ب “الأفعال الإجرامية”؟

الحريات الشخصية مرّة أخرى

و قبل أيام قليلة من انتهاء شهر رمضان، تمّ تداول فيديو  على مواقع التواصل الاجتماعي ، يظهر فيه اعتقال  رواد مقهى و العاملين فيها بالدار البيضاء للاشتباه فيهم بتهمة “الإفطار العلني دون عذر شرعي”. و ظهر في الفيديو حوالي ثمانية من الشباب و الشابات من مختلف الأعمار يتم اقتيادهم إلى سيارة الشرطة. كما ظهر أن بعض المّارة و الحضور يصوّرون المعتقلين دون أي احترام لخصوصيتهم.

يشار إلى أنّ القانون المغربي،  في الفصل 222، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مالية “كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي. وتجاهَر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي”.

و تمّ إطلاق سراح كلّ المعتقلين في نفس اليوم ،مساء الأربعاء 27 أبريل الماضي. بعد أن استمعت السلطات لأقوالهم و حرّروا لهم محاضر. كما تمّ تسجيل ادعاءات بعض الموقوفين بحدوث “خروقات”  شابت مرحلة التحقيقات . كما انّ الجمعيات الحقوقية ما فتئت تنادي بإلغاء هذا القانون المعادي للحريات الشخصية كما يقولون.

السلطات تحرّكت بناءا على شكاوى من طرف السكان المجاورين للمقهى. فما هي الرسالة التي أرادت السلطات بعثها للمواطنين؟  أليس في هذه الممارسات نوع من التشهير بهؤلاء الأشخاص الموقوفين؟

أحداث ممتالية وقعت في غضون هذه الأيام الرمضانية الأخيرة، تبرز كيف أنّ الدولة تستعمل “المقاربة الأمنية” لمعالجة ظواهر و مشاكل اجتماعية. و هو ما يكرّسه تصريح السيّد  الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس،  الثلاثاء 26 أبريل الماضي. و الذي أكّد بأن العمل جار لبناء 11 مؤسسة سجنية جديدة للحد من “ظاهرة الاكتظاظ”. بحيث أكّد إن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج اقترحت “برنامجا للرفع من الطاقة الإيوائية لحظيرة السجون بما يتماشى مع قيم حقوق الإنسان التي تحترمها المملكة”. حيث “سيتم استبدال 11 مؤسسة سجينة قديمة ومتهالكة بمؤسسات حديثة وبناء 11 مؤسسة سجنية جديدة للحد من ظاهرة الاكتظاظ”.

فهل ب “المقاربة الأمنية” و بمثل هذه القرارات ذات الصبغة  القضائية و الأمنية الواضحة سيتم تحليل الظواهر و معالجة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المواطنون المغاربة؟