تتحدث التقارير الإعلامية الجزائرية عن يقظة للديبلوماسية الجزائرية، وعودة للواجهة عبر ملفات دولية وإقليمية، خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء، التي تخصص لها الخارجية الجزائرية مبعوثا خاصا إلى “الصحراء الغربية” يشغلها الديبلوماسي الجزائري “عمار بلاني”.

العمود الفقري لهذه اليقظة الديبلوماسية حسب وصف الإعلام الجزائري، هي إبقاء الجزائر حاملة للقب يعود إلى الأدبيات السياسية لسبعينيات القرن الماضي، هو “داعمة حركات التحرر وقبلة الثوار” واستمرت الجزائر على هذا النهج لعقود، لكن بتبني قضية واحدة ووحيدة، هي قضية الصحراء المغربية، ودعم حركة الانفصال المعروفة بجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “البوليساريو”

القضية الفلسطينية تأتي أيضا ضمن الخطاب السياسي والديبلوماسي الجزائري، لكن مقارنة بالدعم الذي تمنحه لحركة البوليساريو فهو أضعاف دعمها للشعب الفلسطيني، خصوصا إذا تمت مقارنتها مع المغرب، وأغلب الدعم الجزائري للقضية الفلسطينية، مرتبط بترديد الشعارات، لكن الديبلوماسية الجزائرية اليوم، تقفز على هذا الواقع وتحاول تقديم نفسها كمحتضن للنضال الفلسطيني، مقابل المغرب الذي رسخ علاقات سياسية وعسكرية متقدمة مع إسرائيل

“محاصرة المغرب” أو ديبلوماسية الكونطر خطة

لجوء الديبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة إلى تكرار ذكر القضية الفلسطينية، هو جزء من “كونطر خطة” لمحاصرة المغرب، بعد أن تلقت الجزائر ضربات موجعة في كل التحركات ضد المغرب خلال السنوات الأخيرة، بدءا من إغلاق ميليشيات البوليساريو لمعبر “الكركارات” بإيعاز من نظام الجزائر، وانتهاء بادعاء أن الجيش المغربي قتل ثلاثة مدنيين جزائريين بطائرة مسيرة، ومرورا بالتقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، الذي شكل هزيمة مدوية لديبلوماسية الجزائر.

ترى الجزائر في التقارب المغربي الإسرائيلي فرصة لوصفه بالعدو الخائن للقضية الفلسطينية، وبالتالي تحاول حشد أصوات ضده ومقارنة سيادته على الصحراء المغربية باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وتسعى الآلة الديبلوماسية الجزائرية إلى أن تبدو بمظهر الدولة الساعية لتجميع الصف العربي، قبيل القمة العربية المقرر انعقادها بالجزائر خلال مارس القادم، ومن خلال هذه القمة، تحاول تشكيل جبهة جديدة ضد المغرب، باللعب على وتر القضية الفلسطينية، وإقحام قضية الصحراء بدعوى الدفاع عن تحرر الشعوب

ديبلوماسية برعاية إيران

آخر تحركات الجزائر في سياق تنفيذ مخططها لمحاصرة المغرب، تمثل في محاولة جلب النظام السوري للمشاركة في أول قمة عربية تعقد مارس القادم في الجزائر، بعد تجميد عضويتها في جامعة الدول العربية بعد اندلاع الثورة في سوريا والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري في حق شعبه.
إعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وكونه مدعوما من إيران وروسيا الحليفان للنظام الجزائري، ترى فيها الآلة الديبلوماسية الجزائرية فرصة لبدء تشكيل صف عربي يتبنى خطاب الممانعة، وإقحام البوليساريو ضمن هذا النسق، وبالتالي السعي إلى تسويق صورة جديدة عن المغرب كحليف لإسرائيل وخائن للقضية الفلسطينية

وفي هذه الأثناء، محمود عباس أبو مازن يزور الجزائر منذ يوم الأحد 5 ديسمبر لمدة ثلاثة أيام، وهي الزيارة التي يسعى النظام الجزائري إلى استثمارها في خطته الجديدة ضد المملكة المغربية، بتسويق نفسه الحليف الأمثل والوحيد للشعب الفلسطيني في المنطقة، ومقارنة قضيته بقضية الصحراء، وبالتالي التمهيد لدمج البوليساريو في جامعة الدول العربية، بعد أن بدئت عضويتها في الاتحاد الإفريقي في الذبول

المغرب إسرائيل، كابوس النظام الجزائري

سعي النظام الجزائري إلى تنفيذ خطته الديبلوماسية، يدخل في سياقها أيضا الترويج لأن إسرائيل باتت على حدودها الغربية، وأن هذا التحالف المغربي الإسرائيلي يهدد المنطقة، وأنه هو سبب الأزمة بين المغرب والجزائر، رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري، وعلى هامش أشغال الندوة الثامنة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في أفريقيا، المنعقدة الجمعة الماضية في ولاية وهران، صرح لأحد المواقع بالقول ” كل خطوة تتخذها السلطات المغربية في هذا التحالف العسكري الخبيث، تبعدها أكثر عن الجزائر وشعبها” وقبل أيام، قال لعمامرة إنّ بلاده تسعى إلى “لم شمل العرب في مؤتمر القمة المقبل”، حيث يُعد بالعمل على جمع العرب حول قواسم مشتركة يتفقون عليها، وخاصة بشأن الحقوق الفلسطينية.

وسعيا لتشبيه المغرب بإسرائيل كبلد محتل، قال لعمامرة في ذات اللقاء أن التحالف المغربي الإسرائيلي” يعكس نقطة التقاء بين توسعين إقليميين، يدفعهما إلى إنكار وجود ضحاياهم المحرومين من حقوقهم الوطنية غير القابلة للتصرف”
محاولات للعب على وتر حساس، وترويج لخطاب عدائي ضد المغرب، هي الورقة الأخيرة التي يلعبها النظام الجزائري عبر ديبلوماسيته الجديدة، التي وصفها رمطان لعمامرة بأنها ” ديبلوماسية متعددة الأبعاد والوظائف، في خدمة أهداف نبيلة متعددة”.

ديبلوماسية أهجم أولا، فكر لاحقا

هزائم الديبلوماسية الجزائرية أمام المغرب، في معظمها تعود إلى اتخاذ خطوات غير محسوبة، وتتجاهل الواقع على الأرض، فمنذ الدفع بميليشيات البوليساريو لإغلاق معبر الكركارات، لم تنتبه السياسة الخارجية الجزائرية إلى أنها كانت تقدم هدية ثمينة للمغرب، بحيث أظهر هذا التصرف جبهة البوليساريو على حقيقتها كمنظمة لقطاع الطرق، وجعلت بعثة الأمم المتحدة تشهد على التصرفات الإجرامية الممارسة في حق العابرين من المنطقة، والاستفزازات لأفراد الجيش المغربي الذي بدى منضبطا أمامها
خطوة إغلاق الكركارات، كان واضحا فيها أن من وقف خلف هندستها لم يدرس الأوضاع السياسية والاستراتيجية والعسكرية في المنطقة، وأنه غائب عن التغيرات العميقة في الوضع، واتضح فيما بعد أن الأمر كان خطئا كبيرا، خصوصا حين تم استغلاله لإعلان الحرب بالوكالة ضد المغرب.

خيار إعلان الحرب، كان خطة من النظام الجزائري للضغط على المغرب، وإعادة سيناريو السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت الميليشيات تتسلل لتنفيذ عمليات عسكرية خلف الجدار، غير أن هذا الخيار باء أيضا بالفشل، وتمت مجابهته بجيش قوي مستعد لكل الاحتمالات، وفقدت البوليساريو أفضلية التحرك في المناطق العازلة بحرية
أمام هذه الورطة الجديدة، سعت الديبلوماسية الجزائرية وصنيعتها البوليساريو إلى الترويج بأن المغرب هو من خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتحميله مسؤولية الأعمال العدائية التي تحاول البوليساريو تنفيذها على الحدود الجنوبية، لكن واقع أن بعثة الأمم المتحدة كانت موجودة بالمكان، وأنه تم إشعارها من طرف المغرب قبل إفراغ المنطقة، جعل التكتيك الجزائري يتلقى ضربة أخرى عبر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أثبت أن المغرب لم يقم بإفراغ المنطقة بالنار، ولكن العناصر الانفصالية التي كانت هناك، هربت من تلقاء نفسها.

النظام الجزائري لم ينس في خططه استعمال الطاقة للمناورة والضغط، فقام قبل انتهاء مدة العقد الذي يربطه بالاتحاد الأوروبي لتمرير غازه عبر الأراضي المغربية بالتعبير عن عدم رغبته في تجديد هذا العقد، وأنه سيعاقب المغرب بسلاح الغاز، وظهر العديد من مسؤولي النظام يتوعدون حتى وصل الأمر إلى القول عبر إعلامهم الرسمي أن المغرب سيعود إلى استخدام الحطب من أجل التدفئة
المغرب قابل هذه الحملة بهدوء، وأعرب بشكل غير رسمي أنه مستعد لقبول تمديد العقد إذا رغبت أطرافه في التمديد، ولكن الجزائر ضمت آذانها عن هذه النية الحسنة وقطعت أنبوب الغاز من طرفها لتعتمد أنبوبا جديدا ضعيف التدفق، الأمر الذي أوقعها في ورطة مع شركاؤها الأوروبيين، وخصوصا مع إسبانيا التي تعتمد على الغاز الجزائري بنسبة كبيرة، حتى أنه ظهرت تقارير تقول أن إسبانيا متذمرة من عدم التزام الجزائر بنقل الغاز بالكميات المتعاقد عليها، فيما النظام الجزائري يروج بأن الأمور تحت السيطرة

في الطرف المقابل، وبعد أقل من شهر واحد، المغرب وحسب بنود العقد الأوروبي المغاربي، أصبح من حقه استغلال البنية التحتية لنقل الغاز وضمها بالكامل إلى ملكيته، والأمر هنا متعلق بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي يجري العمل على ربطه بحقل غاز تندرارة المغربي، والذي وفر على المغرب سنوات من العمل لإنشاء بنية تحتية لنقل غازه
دون أن ننسى بعض التقارير التي تتحدث عن أن معدل الاستهلاك الوطني للغاز أقلق السلطات الجزائرية. لأنه بالمعدل الحالي ، لن يكون هناك المزيد من الغاز للتصدير اعتبارًا من عام 2022
وانقلب السحر على الساحر، فالنظام الجزائري اليوم عاجز عن تغطية سوقه الوطني، حتى رأينا أن ساكنة الجنوب الجزائري تشتكي من انقطاع الغاز في بلاد الغاز، وأن هناك تخوفا جديا من ارتفاع أسعاره في السوق الداخلي، لتغطية عجز وديون شركة Sonelgaz الممثقلة بديون تصل إلى 14 مليار دولار

كل تلك كانت أمثلة على المناورات السياسية والديبلوماسية غير المدروسة، والتي يتعامل معها المغرب ببرودة أعصاب

واليوم، يبدوا أن الديبلوماسية الجزائرية تسير على نفس منوال الهجوم، ثم التفكير لاحقا، فمحاولة استخدام القضية الفلسطينية، هي خطة ستبوء حتما بالفشل، على اعتبار أن المغرب، هو رئيس بيت مال القدس، وأكبر المانحين فيه، وله لدى كافة الأطراف مكانة واعتبار، بما فيها سلطة حماس في قطاع غزة
تنسى الديبلوماسية الجزائرية أنه مباشرة بعد إعلان عودة العلاقات رسميا بين المغرب وإسرائيل، أجرى صاحب الجلالة محمد السادس اتصالا مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية اتصالا لمطمئنته بأنه لا تنازل عن قضية القدس وحل الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني، وأنه بعد توقيع اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل، حضر إسماعيل هنية رسميا إلى المغرب واستقبله رئيس الحكومة، ما عبر حينها على أن الأطراف الفلسطينية المعنية مباشرة، تفهم أهمية الدور المغربي، وأن علاقة المغرب وإسرائيل، لم ولن تكون على حساب التزامات المغرب إزاء القدس الشريف وحل الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني.