من أغرب ما كشفت عنه دراسة جزائرية حول مستقبل صادرات النفط والغاز في الجارة الشرقية. أن التهديدات التي تواجه تلك الصادرات التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الجزائري تأتي من الاستهلاك الداخلي بالأساس. وليس من التحديات الخارجية. ومن أبرز ما كشفت عند دراسة أعدها وزير سابق في قطاع الطاقة. هو سيناريو استحواذ الاستهلاك الداخلي للمحروقات على قرابة 90% من الإنتاج الوطني في أفق 2033. ولن تستطيع الجزائر تصدير سوى نسبة 10% من النفط و الغاز.

عقد من الأزمات المقبلة

حسب موقع “الطاقة” المتخصص، رصدت دراسة حديثة، عددًا من الأزمات التي تهدد صادرات النفط والغاز الجزائرية. خلال السنوات المقبلة، وتحد من قدرة البلاد على تحقيق طموحاتها في زيادة إيرادات قطاع المحروقات.

واستعرضت الدراسة -التي أعدها وزير الطاقة الجزائري السابق عبد المجيد عطار. واقع قطاع الطاقة وتحدياته في الجزائر بحلول عام 2035.

واعتمد عطار -في دراسته التي كشفت عن أبرز التحديات التي تواجه صادرات النفط والغاز الجزائرية – على الأرقام المستوحاة من الإحصائيات الرسمية. من وزارة الطاقة، ومجمع سوناطراك ومجمع سونلغاز، بالإضافة إلى الهيئات الدولية.

تهديدات الوضع العالمي العام والأزمات الجيوسياسية

استنادًا إلى الدراسة -التي حصلت منصة الطاقة المتخصصة على نسخة منها- فإنّ الجزائر تتمتع في الوقت الراهن بـ3 عوامل رئيسة لضمان أمن الطاقة. لا سيما مصادر الطاقة، والإمكانات الكبيرة من الإنتاج والتوزيع، وتوفر الأسواق.

ولم تمنع هذه المؤشرات عبد المجيد عطار من طرح التساؤل: هل هذه الوضعية مستمرة في السنوات المقبلة؟. في إشارة إلى عدد من العوامل قد تتسبب في تراجع صادرات النفط والغاز الجزائرية.

وأوضح الوزير السابق أن الجزائر تتأثر في هذا الشأن بالوضع العالمي العام، والأزمات الجيوسياسية. كونها تسبب اختلال بعض المؤشرات على غرار الأسواق المحتملة، في أوروبا بالدرجة الأولى. كما يحدث حاليًا في ظل تبعيات فرضتها الأزمة الروسية الأوكرانية.

وأشار إلى تراجع أسعار الصادرات من المواد الطاقوية عند كل هزة عالمية. فضلًا عن تراجع الطلب جراء الركود الاقتصادي بسبب أزمة كورونا.

تهديدات تحوّل النموذج الطاقوي

التوجّه العالمي الحالي يسير في سياق تحول النموذج الطاقوي، وتسعى من خلاله كل دولة للاعتماد على النموذج الأكثر نجاعة بالنسبة إليها، وهو ما يؤثر في المعادلة العالمية في العرض والطلب على مصادر الطاقة، ومن ثم السعر.

وتشير دراسة عطار التي اطلعت عليها منصة الطاقة، إلى أنّه في وقت تمثّل فيه الطاقة المتجددة في العالم نحو 13%. وتعتمد 56% على المحروقات التقليدية -النفط والغاز-. و27% على الفحم، و4% على الطاقة النووية، ترتفع نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة في الدول المتقدمة لتصل إلى 34%، و30% للغاز الطبيعي. وهي الأرقام التي تعكس المنحنى الذي يأخذه مسار الطاقة العالمي في الوقت الراهن.

وذكرت الدراسة -استنادًا إلى أرقام شركة النفط البريطانية “بي بي”-.  أنّ دور الهيدروجين سيكون حاسمًا خلال الـ30 عامًا المقبلة، خاصة في قطاع النقل، والأشغال العمومية والبناء.

وأوضحت الدراسة أن الأرقام تكشف عن أنّ توزيع المحروقات التقلدية ترتكز بمنطقة الشرق الأوسط بصفة أساسية. إذ تستحوذ المنطقة على 48.3% من المخزون العالمي من النفط. و40.3% من الغاز الطبيعي، ما يجعل التوجه نحو المصادر الجديدة لبقية العالم حتمية بالنسبة إليهم.

بعبع القطاعات غير المنتجة

رسمت الدراسة مخططًا لاستهلاك الطاقة في الجزائر، بين عامي 2017 و2019. إذ شهد الغاز الطبيعي ارتفاعًا يُقدر بـ80.6 %، تليه الكهرباء بزيادة بـ78.2%. ثم المنتجات النفطية بـ51.5%، وبعدها غاز النفط المسال.

وكشفت الدراسة التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، عن مفاجأة تتمثل في أنّ أكبر المستهلكين للطاقة في الجزائر هي القطاعات غير المنتجة، أي المنازل. إذ ارتفعت بين عامي 2017 و2019 بما يزيد على 64%. وبعدها قطاع النقل الذي شهد قفزة كبيرة من حيث الاستهلاك بلغت 139%، وفي المرتبة الثالثة الصناعة والأشغال العمومية.

ودعا عبد المجيد عطار إلى أهمية إعادة النظر في سياسة الدعم في أسعار الطاقة لدفع المواطنين إلى مراجعة طريقة الاستهلاك.

استهلاك الوقود في الجزائر

إلى جانب تطرقها إلى مستقبل صادرات النفط والغاز الجزائرية، فقد استعرضت الدراسة استهلاك الوقود في الدولة، وجاء الديزل في المقدمة بـ69.1%، وبعده البنزين بـ25.6%، ثم غاز النفط المسال بـ 5.3%.

وأوضحت دراسة وزير الطاقة السابق إلى أن قطاع النقل يستهلك أكثر من نصف الإنتاج بنحو 56%. ويكاد استهلاك المنازل للوقود يتساوى مع استهلاك قطاع الأشغال العمومية والبناء بـ15.7% للأول، و16.5% للثاني. في حين لا يمثّل استهلاك قطاع الفلاحة للوقود، رغم أهميته، سوى 1.5%.

وتوقعت الدراسة ارتفاع استهلاك الجزائر من الوقود 15.2 مليون طن (108 ملايين برميل) من النفط المكافئ في 2019. إلى 19 مليون طن (135 مليون برميل) بحلول عام 2030.

كما توقعت تكرار سيناريو زيادة الاستهلاك نفسه في الأنواع الأخرى من الطاقة، على غرار الكهرباء والغاز. إذ تستحوذ القطاعات غير المنتجة (المنازل والإدارات العمومية) على الاستهلاك الأكبر. فتمثل بالنسبة إلى الكهرباء 46%، وبالنسبة إلى الغاز الطبيعي نحو 63%.

قاصمة الظهر: الاستهلاك الداخلي

استخلص عبد المجيد عطار في الدراسة، بناء على حصيلة وزارة الطاقة لمنحنى إنتاج المحروقات، والاستهلاك الداخلي. وحجم صادرات النفط والغاز الجزائرية. خلال المدة الممتدة من 1980 إلى 2019. أن هناك ارتفاعًا مستمرًا في حجم الاستهلاك الداخلي للطاقة.

وشدّد عطار على ضرورة إعطاء أولوية للاستهلاك قبل التفكير في صادرات النفط والغاز الجزائرية نحو الخارج. إذ تتوجه المعادلة لتنقلب رأسًا على عقب، ففي سنة 1980 بلغت الصادرات 80% ولم يشكل الاستهلاك المحلي سوى 20%، وارتفع الاستهلاك بشكل طفيف سنة 2005 إلى 21%. غير أنه بلغ في 2019 ما نسبته 42%. في حين لم تصدر الجزائر إلاّ 58% من إنتاج المحروقات.

وأوضحت الدراسة أنه مع نمو الاستهلاك المحلي من المتوقع ألاّ تفوق صادرات النفط والغاز الجزائرية في عام 2033  نسبة 10%. في حين تتوجه 90% من الإنتاج نحو تغطية الاحتياجات الداخلية.

أسباب هشاشة القطاع

أرجعت الدراسة هشاشة قطاع المحروقات، بما في ذلك صادرات النفط والغاز الجزائرية، إلى 3 أسباب رئيسة. أولها ارتباطه بنموذج استهلاك الطاقة. يهيمن عليه الاستعمال المفرط للغاز الطبيعي. والموجه بالدرجة الأولى إلى القطاعات غير المنتجة، لا سيما الاستهلاك المنزلي والإدارات والجماعات المحلية.

ويتعلق ثاني الأسباب بوتيرة ارتفاع نسبة نمو الطلب الداخلي على الطاقة، التي تبلغ في المتوسط 7% سنويًا، لارتباطها بنظام دعم الأسعار لمختلف منتجات الطاقة، كالكهرباء، والوقود، والغاز.

وأما السبب الثالث الذي يهدد صادرات النفط والغاز الجزائرية فهو استنزاف المخزون الوطني من المواد الطاقوية خاصة الغاز، الأمر الذي يفرض تسريع وتيرة برامج الطاقات المتجددة لتخفيف الضغط على هذا المورد غير قابل للتجديد.

 

عن موقع العمق